«فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحي» (متى 16: 16).
معضلة الالوهية
الاحتمال المثلث
رب أو كاذب أو مجنون
1- من هو يسوع الناصري؟
ويوضح ذلك المؤرخ العالمي الشهير جاروسلاف بيلكان: «بغض الطرف عما يعتقده أو يعتنقه أي شخص بشأن يسوع الناصري، فقد كان الشخصية الأكثر حضوراً في تاريخ الثقافة الغربية على مدى ما يقرب من عشرين قرناً. ولو كان ممكناً، باستخدام أحد المغناطيسات الفائقة أن ننتزع من ذلك التاريخ كل أثر يحمل اسمه فقط، فماذا يتبقى منه؟ فميلاده صار رأساً للتقويم البشري، وباسمه يبارك الملايين ويصلي الملايين باسمه» (Pelikan, JTTC, 1).
ما مدى تأثير يسوع؟
في كتاب «ماذا لو لم يولد يسوع؟»، يحاول د. چيمس كنيدي وچيري نيوكومب الإجابة على هذا السؤال: ولد ذلك التأثير بشكل جزئي.
ويبدأ بالكنيسة -جسد المسيح- وهي التراث الأساسي الذي تركه يسوع للعالم. ثم ينتقلا إلى دراسة المتغيرات التاريخية التي تبين تأثير الكنيسة. وهذه لمحات مما ذكروا:
- المستشفيات التي بدأ ظهورها بشكل رئيسي في العصور الوسطى.
- الجامعات التي بدأ ظهورها أيضاً في العصور الوسطى. فضلاً عن أن السواد الأعظم من جامعات العالم الكبرى بدأها مسيحيون واستخدمت لأغراض مسيحية.
- انتشار التعليم بين طبقة عامة الشعب.
- التمثيل الحكومي كما نرى في التجربة الأمريكية على نحو خاص.
- فصل السلطات السياسية.
- إلغاء العبودية في العصور القديمة والحديثة.
- العلم الحديث.
- اكتشاف العالم الجديد على يد كولمبس.
- أعمال الخير والرحمة، أخلاقيات السامري الصالح.
- مبادئ أكثر سمواً للعدالة.
- الارتقاء بالإنسان العادي.
- احترام الحياة البشرية.
- تحضُّر الكثير من الثقافات البربرية والبدائية.
- تمثيل وكتابة الكثير من لغات العالم.
- التطور الكبير في الفن والموسيقى والإيحاء لأعظم الأعمال الفنية.
- تغيُّر حياة عدد لا يحصى من البشر وصاروا ثروة للمجتمع بسبب الإنجيل بعد أن كانوا عبئاً عليه.
- الخـلاص الأبدي لعدد لا يحصى من النفوس! (Kennedy, WIJ, 3, 4).
ماذا كان يعتقد يسوع في نفسه؟ وكيف كان يراه الآخرون؟ من كان هذا الشخص الفريد؟ من هو يسوع الناصري؟
2- احتمالات ثلاثة
والسبب هو ما يلي:
لقد رأينا بالفعل أن أسفار العهد الجديد صحيحة وموثوقة من الناحية التاريخية حتى أن شخصية يسوع لا يمكن رفضها كمحض أسطورة.
إذ أن نصوص الإنجيل تسجل بدقة الأشياء التي فعلها والأماكن التي زارها والكلمات التي تفَّوه بها. كما صرَّح يسوع بأنه الله (انظر الجزء الثاني - الفصل السادس).
ومن هنا يتعين على كل إنسان أن يجيب على هذا السؤال: هل ادّعاؤه بالألوهية صحيح أم خاطئ؟ إن هذا السؤال يستحق التفكير الجدي.
في القرن الأول عندما كان للناس آراء مختلفة في شخصية يسوع، سأل يسوع تلاميذه: «وأنتم من تقولون إني أنا؟» فأجاب بطرس قائلاً: «أنت المسيح ابن الله الحي» (متى 16: 15 و16). وليس الجميع يقبلون جواب بطرس، ولكن لا ينبغي لأحد أن يتجاهل سؤال يسوع.
إن تصريح يسوع بأنه الله إما أنه صحيح أو خاطىء. فلو كان قوله صحيح، فهو إذاً الرب وعلينا أن نقبله رباً أو نرفضه. فنحن «بلا عذر».
ولو كان قوله بأنه الله خاطىء، فليس هناك إلا احتمالان: إما أنه كان يعلم أنه خاطىء أو أنه لم يعلم ذلك. وسوف نناقش كل احتمال منفرداً ثم نناقش البراهين.
3-
علاوة على ذلك، فإنه كان شيطاناً، لأنه كان حريصاً على تعليم الآخرين أن يؤمنوا به من أجل مصيرهم الأبدي. ولو أنه لم يكن قادراً على تأييد ادِّعاءاته وعلم أنها كذب، فلابد أنه كان شريراً بما يفوق الوصف.
وأخيراً فلابد أنه كان أحمقاً أيضاً، لأن ادّعاءه الألوهية هو الذي أفضى به إلى الصلب.
- مرقس 14: 61- 64
«أما هو فكان ساكتاً ولم يجب بشيء. فسأله رئيس الكهنة أيضاً وقال له أأنت المسيح ابن المبارك؟. فقال يسوع أنا هو. وسوف تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً في سحاب السماء. فمزق رئيس الكهنة ثيابه وقال ما حاجتنا بعد إلى شهود؟ قد سمعتم التجاديف ما رأيكم. فالجميع حكموا عليه أنه مستوجب الموت».
- يوحنا 19: 7
«أجابه اليهود لنا ناموس وحسب ناموسنا يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الله».
لو كان يسوع رجلاً كاذباً مخادعاً، ومن ثم كان أحمقاً وشريراً، فكيف نفسر حقيقة أنه ترك لنا أسمى التعاليم الأخلاقية وأروع مثال أخلاقي على الإطلاق؟ فهل يمكن لمضلل ومخادع عظيم أن يعلِّم بمثل هذه التعاليم الأخلاقية الغيرية ويحيا مثل هذه الحياة الأخلاقية المثالية كما فعل يسوع؟ إنها فكرة غير معقولة.
الإجابة بالطبع أنه لم يكن محتالاً! إن شخصاً عاش كما عاش يسوع، وعلَّم كما علم يسوع، ومات كما مات يسوع لا يمكن أن يكون كاذباً.
فما هي إذاً الاحتمالات الأخرى؟
4- هل كان مجنوناً؟
ولكننا يجب أن نتذكر أنه بالنسبة لشخص يعتقد أنه الله وخاصة في إطار ثقافي يؤمن بشدة بعقيدة التوحيد، ثم يعلِّم الآخرين أن مصيرهم الأبدي يعتمد على إيمانهم به، فلم يكن ذلك شطحة بسيطة من شطحات الخيال، ولكنها أفكار شخص مجنون بكل ما في الكلمة من معنى. فهل كان يسوع المسيح كذلك؟
ويعرض الفيلسوف المسيحي بيتر كريفته لهذا الاحتمال، ثم يوضح لماذا يتحتم علينا رفضه:
إن معيار الاعتلال العقلي لأي شخص هو مدى اتساع الفجوة بين ما يعتقد أنه يكون وما هو عليه بالفعل. فإن كنت أنا أعتقد أنني أعظم فيلسوف في أمريكا، فإنني فقط أحمق متعجرف، وإن كنت أعتقد أنني نابليون، وان كنت أعتقد أنني فراشة، فإنني أكون قد جاوزت حد العقل، وإن كنت أعتقد أنني الله فإنني بذلك أكون قد جاوزت المدى في الجنون أكثر من كل ما سبق، لأن الفجوة بين أي شيء محدود والله غير المحدود أكبر اتساعاً من الفجوة بين أي شيئين محدودين، وحتى بين الإنسان والفراشة.
فلماذا لم يكن يسوع كاذبا أو مجنوناً؟... لا يمكن لأي شخص قرأ الإنجيل بأمانة وجدية أن يفكر في هذا الاحتمال. إن حكمة وفطنة وجاذبية يسوع تتبدى من الإنجيل بقوة فائقة لأي شخص إلا للقاريء المتعنت المتجنِّي... قارن يسوع مع الكذبة... أو المخبولين مثلما كان نيتشه عند موته.
هناك ثلاث صفات خاصة يتمتع بها يسوع بوفرة لا يمكن أن تتوافر للكذبة والمجانين:
(1) حكمته العملية وقدرته على قراءة قلوب البشر.
(2) محبته العميقة الجذابة وعطاؤه الرؤوم وقدرته على اجتذاب البشر إليه وجعْلهم يشعرون بالراحة والغفران وسلطانه «ليس كالكتبة».
(3) قدرته على إثارة الدهشة في نفوس الآخرين وقدرته الخلاقة وأعماله التي لا يمكن التنبؤ بها.
إن الكذَبة والمجانين يمكن التنبؤ بأفعالهم وسلوكياتهم! ليس أحد يعرف كلا من الإنجيل والطبع البشري، يمكن أن يأخذ على محمل الجد احتمال أن يسوع كان كاذباً أو مجنوناً، أو إنساناً شريراً. (Kreeft, FOTF, 60, 61).
5- هو الرب!
- «فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحي» (متى 16: 16).
- وفي بيت عنيا اعترفت مرثا أخت لعازر قائلة: «نعم يا سيد. أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم» (يوحنا 11: 27).
- قال توما بعد أن رأى يسوع المقام من بين الأموات واقفاً أمامه: «ربي وإلهي» (يوحنا 20: 28).
- قال مرقس في افتتاحية إنجيله: «بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله» (مرقس 1: 1).
- قال كاتب العبرانيين: «وهو (يسوع) بهاء مجده (مجد الله) ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته» (عبرانيين 1: 3).
ظهر على مسرح التاريخ من ادَّعوا أنهم آلهة ومخلصون ولكنهم مضوا واختفوا، أما يسوع فلا يزال باقياً ظاهراً فوق جميعهم. ظل أرنولد ج. توينبي المؤرخ المعاصر يكتب صفحات وصفحات في مآثر من أطلق عليهم التاريخ اسم «مخلِّصي المجتمع»- وهم من حاولوا الحيلولة دون وقوع الكوارث الاجتماعية أو التفسخ الثقافي عن طريق الرجوع إلى الماضي أو توجيه البشر إلى المستقبل أو شن الحروب أو التفاوض من أجل السلام أو ادّعاء الحكمة أو الألوهية، وبعد أن تناول هؤلاء الأشخاص في حوالي ثمانين صفحة في المجلد السادس من رائعته «دراسة التاريخ»، يصل توينبي أخيراً إلى يسوع المسيح ويجد أنه لا وجه للمقارنة.
يحتاج جوابك على سؤال «من هو المسيح؟» إلى ذهن قوي متيقظ. إنك لا تقدر أن تقول ببساطة إنه معلِّم عظيم وكفى، فهذا غير ممكن. إما أن يكون مضللاً أو مجنوناً أو إلهاً. ويجب أن تختار. وكما قال الرسول يوحنا: « أما هذه فكتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه» (يوحنا 20: 31).
إن البرهان لا يدحض، على أن يسوع هو الله. على أن البعض يرفضون البرهان الواضح بسبب علل أخلاقية. ولكن علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا لنقرر إن كان يسوع كاذباً أو مجنوناً أو رباً وإلهاً.
مراجع
كتاب برهان جديد يتطلب قرار – جوش ماكدويل
نجار وأعظم- جوش ماكدويل