إنّ اهتداء أحد الوالدين هو طريق الله الذي يعلن أشواقه بالنعمة لكل هذه العائلة
لمّا كانت القداسة تعني استئصال طبيعتنا الخاطئة، فإنّ كلمة الله تتحدث أيضاً عن قداسة الارتباط العائلي بين المؤمنين وأفراد عائلاتهم والتي في أحيان كثيرة تقود غير المقدسين منهم إلى القداسة. وإذ كنّا قد وضحنا الوجهتين العمليتين للقداسة، يصح الآن أن نتأمل فيما يقوله الله عن هذه القداسة الخارجية أو قداسة القرابة.
قد يتقدس شخص بمعنى معيّن، بسبب ارتباطه مع آخر، ومع ذلك يظل غير متجدد ويهلك. ولكن قد يقال أيضا عن أناس أنهم تقدسوا عن طريق ارتباطهم بمؤمنين وكانوا موضوع صلواتهم القلبية الحارة، فصاروا بعدها مخلصين حقاً بعد إيمانهم.
إن الأصحاح السابع من كورنثوس الأولى يحوي أكمل تعليم خاص بالزواج. جاء في كلمة الله، وبدءاً من ع ١٠... «وَأَمَّا ٱلْمُتَزَوِّجُونَ فَأُوصِيهِمْ، لا أَنَا بَلِ ٱلرَّبُّ، أَنْ لا تُفَارِقَ ٱلْمَرْأَةُ رَجُلَهَا. وَإِنْ فَارَقَتْهُ فَلْتَلْبَثْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ، أَوْ لِتُصَالِحْ رَجُلَهَا. وَلا يَتْرُكِ ٱلرَّجُلُ ٱمْرَأَتَهُ» وقد سبق الرب أن أعطى تعليماً واضحاً بهذا الأمر (مت ١٩: ١ - ١٢). وبسبب إنتشار الإنجيل بين الوثنيين من الأمم فقد نشأت حالات في كثير من الأماكن كانت في حاجة إلى توضيح.
فمثلاً لنفرض أن زوجة وثنية وجدت الخلاص في الرب، ولكن زوجها بقي نجساً عابد وثن، فهل يبقى الشريك المسيحي في علاقة الزواج مع الشخص غير المتجدد، دون أن يتدنس؟ في أيام عزرا ونحميا كان بعض الراجعين قد اتخذوا لأنفسهم زوجات من الأمم الذين حولهم، والنتيجة كانت التشويش. «وَنِصْفُ كَلامِ بَنِيهِمْ بِٱللِّسَانِ ٱلأَشْدُودِيِّ، وَلَمْ يَكُونُوا يُحْسِنُونَ ٱلتَّكَلُّمَ بِٱللِّسَانِ ٱلْيَهُودِيِّ، بَلْ بِلِسَانِ شَعْبٍ وَشَعْبٍ» (نح ١٣: ٢٤) وهذه الحالة كانت مزعجة للقادة الأتقياء الذين لم يستريحوا حتى فصلوا الزوجات الغريبات ومعهن أولادهن الذين اعتبروا نجسين وجب عزلهم من شعب الرب. لقد سطرت الأعداد التي تلي ذلك بوحي إله كل نعمة لعلاج هذه الحالة الشاقة يكتب الرسول بولس «وَأَمَّا ٱلْبَاقُونَ، فَأَقُولُ لَهُمْ أَنَا لا ٱلرَّبُّ: إِنْ كَانَ أَخٌ لَهُ ٱمْرَأَةٌ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ، وَهِيَ تَرْتَضِي أَنْ تَسْكُنَ مَعَهُ، فَلا يَتْرُكْهَا. وَٱلْمَرْأَةُ ٱلَّتِي لَهَا رَجُلٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ، وَهُوَ يَرْتَضِي أَنْ يَسْكُنَ مَعَهَا، فَلا تَتْرُكْهُ. لأَنَّ ٱلرَّجُلَ غَيْرَ ٱلْمُؤْمِنِ مُقَدَّسٌ فِي ٱلْمَرْأَةِ، وَٱلْمَرْأَةُ غَيْرُ ٱلْمُؤْمِنَةِ مُقَدَّسَةٌ فِي ٱلرَّجُلِ - وَإِلا فَأَوْلادُكُمْ نَجِسُونَ. وَأَمَّا ٱلآنَ فَهُمْ مُقَدَّسُونَ. وَلٰكِنْ إِنْ فَارَقَ غَيْرُ ٱلْمُؤْمِنِ فَلْيُفَارِقْ. لَيْسَ ٱلأَخُ أَوِ ٱلأُخْتُ مُسْتَعْبَداً فِي مِثْلِ هٰذِهِ ٱلأَحْوَالِ. وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ قَدْ دَعَانَا فِي ٱلسَّلامِ. لأَنَّهُ كَيْفَ تَعْلَمِينَ أَيَّتُهَا ٱلْمَرْأَةُ، هَلْ تُخَلِّصِينَ ٱلرَّجُلَ؟ أَوْ كَيْفَ تَعْلَمُ أَيُّهَا ٱلرَّجُلُ، هَلْ تُخَلِّصُ ٱلْمَرْأَةَ» (١ كو ٧: ١٢ - ١٦).
يا له من تعليم تتجلى فيه قوة النعمة الفائقة. تحت الناموس فالشريك النجس ينجس الشريك المقدس. أما تحت النعمة فالشخص الذي خلصه الله يقدس النجس.
إن الأسرة نظام إلهي قديم جداً، وفي كل أجزاء الكتاب المقدس يتضح أن الله يريد أن يخلص شعبه كعائلات. هو لا يريد استخدام العنف في الروابط الطبيعية التي أوجدها، فإذا خلص الرب رأس عائلة فهو يعلن بذلك أنه يختزن البركة لكل العائلة. وهذا طبعاً لا يمس المسؤولية الشخصية. الخلاص ليس بصلة دم القرابة ولكن بوجه عام نقول إن فكر الله أن يخلص عائلات شعبه مع أرباب هذه العائلات. ولذلك يعلن أن خلاص شريك يقدس الشريك الآخر كما يقدس الأولاد أيضاً. وهل معنى ذلك أنه قد حدث أي تغيير في هؤلاء الأشخاص.
كلا على الإطلاق. قد يبقون كما هم بدون ولادة جديدة، محبين لطرقهم الشريرة. محتقرين النعمة، وغير خائفين من دينونة الله، ورغم كل ذلك فهم مقدسون في القريب المؤمن. كيف يتفق هذا مع فكرة الكماليين عن القداسة؟ لأنه من الواضح أن الكلمة هنا لا تعني أي تطهير وهكذا تنهار فكرتهم انهياراً تاماً. والسبب في ذلك هو أنهم ألصقوا بكلمة القداسة معنى غير صحيح لغوياً، وباطل كتابياً ولا ينسجم مع الواقع العملي. واضح أن القداسة في الحالة التي أمامنا مختصة بعلاقة القرابة إذ يتغير مركز بقية العائلة بتجديد أحد الأبوين. فلا يكون البيت في نظر الله بيتاً وثنياً بعد بل بيتاً مسيحياً.cإنّ اهتداء أحد الوالدين هو طريق الله الذي يعلن أشواقه بالنعمة لكل هذه العائلة، كما في حالة سجان فيلبي إذ كلف الله خادميه بأن يعلنا الحق الثمين «آمِنْ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ» (أعمال ١٦: ٣١). إن هذه الكلمات القليلة لم تمنح الخلاص لأهل البيت، ولكنها ثبتت في قلب السجان حقيقة أنه كما فتح أمامه طريق الخلاص قد فتحه أيضاً أمام أهل بيته، وأن الله يريد منه أن يتكل عليه في هذا الأمر. فهم مقدسون من اللحظة التي آمن فيها، وسريعاً ما ملأ الابتهاج كل البيت، عندما استجاب الجميع لنعمة الله المقدسة.
هذا هو بالاختصار تعليم الكتاب المقدس عن القداسة بواسطة القرابة التي يهملها أو يتجاهلها الكثيرون رغم كونها على جانب عظيم من الخطورة والأهمية للأفراد المؤمنين في العائلات التي لم يخلص كافة أفرادها بعد. أيّها الزوج والزوجة! استمرا في العمل والصلاة وعيشا للمسيح أمام الباقين، وأنتما عالمان أنه فيكما قد تقدس الجميع، وأنّ الله منتظر أن يخلصهم عندما يشعرون بحاجتهم للنعمة وثقتهم فيها.
المراجع:
القس. جون نور، الزواج في المسيحية، الطبعة الأولى، ١٩٩٨