فإذا كنا نحن البشر الأشرار نستعف من هذا الفعل ونستنكره ونبغض فاعله، فهل يصح أن الله الصالح ، ينزل هذا الكلام ويشرعه على البشر
هي سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس (ت 54ه- 674م)، وأمها الشموس بنت قيس بن عمرو بن زيد الأنصارية، كانت متزوجة السكران بن عمرو فتوفي عنها في الحبشة، وتزوجها نبي الإسلام بمكة ، وهي أول إمرأة تزوجها بعد خديجة، وهي التي وهبت يومها لعائشة حتى تظل في عصمة رسول الإسلام.
حياتها مع رسول الإسلام
كانت سودة إمرأة كبيرة في السن ، ولا تمتاز بالحسن والجمال اللذان يبحث عنهما محمد في كل زوجاته، ولا نعلم السبب الحقيقي لزواج محمد بسودة، ففي الروايات الإسلامية يزعمون أن محمداً تزوجها ؛ لأنها أسلمت هي وزوجها ، وعند وفاة زوجها عادت إلى بيت أهلها المشركين، فخاف عليها محمد من أن يؤذيها أهلها ، فتزوجها رأفة بها.
لكن هذه الرواية ليست على شيء من الصحة ، فعندما نقارنها بالحديث الصحيح عن محمد بن عمرو ويحيى أنه لَمَّا هلكَتْ خديجةُ جاءتْ خَوْلةُ بنتُ حَكيمٍ امرأةُ عُثمانَ بنِ مَظْعونٍ، فقالت: يا رسولَ اللهِ، ألَا تَزَوَّجَ؟ قال: مَن؟ قالت: إنْ شِئتَ بِكرًا، وإنْ شِئتَ ثَيِّبًا، قال: فمَنِ البِكرُ؟ قالت: أَحبُّ خَلْقِ اللهِ إليكَ، عائِشةُ إبنةُ أبي بَكرٍ، قال: ومَنِ الثَّيِّبُ؟ قالت: سَوْدةُ بنتُ زَمْعةَ، قد آمنَتْ بكَ واتَّبعَتكَ، قال: فاذهَبي فاذكُريهما عليَّ، فدخلَتْ بيتَ أبي بَكرٍ ثمَّ خرجَتْ. . . . فدخلَتْ على سَوْدةَ بنتِ زَمْعةَ
فقالت: ما أدخلَ اللهُ عليكِ مِنَ الخيرِ والبَركةِ؟
قالت: وما ذاكَ؟
قالت: أرسَلَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخطُبُكِ إليه،
قالت: وَدِدْتُ، ادخُلي إلى أبي فاذكُري ذلك له، وكان شيخًا كبيرًا قد أدرَكَه السِّنُّ قد تخلَّفَ عن الحجِّ، فدخلَتْ عليه فحَيَّته بتحيَّةِ الجاهليَّةِ، فقال: مَن هذه؟
قالت: خَوْلةُ بنتُ حَكيمٍ، قال: فما شأنُكِ؟
قالت: أرسَلَني محمدُ بنُ عبدِ اللهِ أخطُبُ عليه سَوْدةَ، فقال: كُفُؤٌ كريمٌ، ماذا تقولُ صاحِبتُكِ؟
قالت: تُحِبُّ ذلك، قال: ادْعيها إليَّ، فدَعَتْها.
قال: أيْ بُنَيَّةُ، إنَّ هذه تزعُمُ أنَّ محمَّدَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ اَلْمَطْلَب قد أرسَلَ يخطُبُكِ وهو كُفُؤٌ كريمٌ، أَتَحَيَّن أنْ أُزوِّجَكِ به؟
قالت: نعمْ، قال: ادعيهِ لي، فجاءَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فزوَّجَها إيَّاه.
وفي هذا الحديث عزيزي القارئ ، نجد أن زواج محمد من سودة لم يكن مبادرة منه لمنع الأذي عنها ؛ كما ذكر الرواة بعد ذلك، ولكنه زواج تقليدي بناء على ترشيح خولة، وذلك لسد الفراغ الذي تركته خديجة في حياته بعد موتها.
ونجد أيضاً أحد الرواة يحاول أن يضفي طابع الرؤية على مسألة زواج سودة من محمد ، لكي يظهر أن الزواج جاء من عند الله برؤية وقد تحققت، وذلك في الحديث عن ابن عباس قال: كانت سودة بنت زمعة عند السكران بن عمرو -أخي سهيل بن عمرو- فرأت في المنام كأن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل يمشي حتى وطئ على عنقها، فأخبرت زوجها بذلك، فقال: وأبيك لئن صدقت رؤياك لأموتَنَّ وَلِيَتَزَوَّجْنَك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: حجرًا وسترًا (تنفي عن نفسها ذاك). ثم رأت في المنام ليلةً أخرى أنَّ قمرًا اِنْقَضَّ عليها من السماء وهي مضطجعة، فأخبرت زوجها، فقال: وأبيك لئن صدقت رؤياك لم ألبث إلَّا يسيرًا حتى أموت، وتتزوجين من بعدي. فاشتكى السكران من يومه ذلك، فلم يلبث إلَّا قليلًا حتى مات وتزوَّجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
فتخيل عزيزي القارئ ، أن مجرد الحلم بأن النبي يمشي حتي يطأ عنقها ، أو قمرا إنقض عليها من السماء، يكون تفسيره أن زوجها سيموت والنبي سيتزوجها، ويكون هذا التفسير أول ما يتبادر لذهن زوجها ، دون أي اعتبار لأن الرسول متزوج ساعتها من خديجة ، ولن يقدر على الزواج بغيرها في حياتها، أو أن سودة كبيرة في السن ، أو حتى أي اعتبار لغيرة رجل على زوجته مثلاً ؛ ليقول لها هذا القول، ثم تتحقق الرؤية بعد ذلك بحذافيرها ، ليكتمل المشهد الأسطوري الذي أخرجه ابن عباس ليقنع به المسلمون.
تنازل سودة عن ليلتها لعائشة
من المواقف الشهيرة في قصة حياة سودة ، هو موقف تنازلها عن ليلتها مع محمد إلى عائشة، حيث إن سودة بعد أن كبرت في السن ، ورأت عزوف محمد عنها وافتتانه بعائشة البكر الصغيرة، خافت أن يطلقها محمد ، وفي روايات أخرى أنه هَمَّ فعلا بأن يطلقها، فسارعت بأن تتنازل عن ليلتها معه ليقضيها مع عائشة ، في مقابل أن يتركها على ذمته وبين نسائه، وقد قبل محمد ذلك، كما جاء في حديث عائشة: عن هِشَام بن عُروَة عَن أَبِيهِ عَن عَائِشَة قَالَت: لَمَّا كَبُرَتْ سَودَة بِنت زَمعَة وَهَبَت يَومهَا لِعَائِشَة فَكَانَ النَّبيّ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ) يَقسِم لَهَا بِيَومِ سَودَة.
عن عروة قال: لَمَّا أَنزَلَ اللَّه فِي سَودَة وَأَشبَاههَا: {وَإِن اِمرَأَة خَافَت مِن بَعلهَا نُشُوزًا أَو إِعرَاضًا} وَذَلِكَ أَنَّ سَودَة كَانَت اِمرَأَة قَد أَسَنَّت فَفَرَقَت أَن يُفَارِقهَا رَسُول اللَّه (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ) وَضَنَّت بِمَكَانِهَا مِنهُ وَعَرَفَت مِن حُبّ رَسُول اللَّه (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ) عَائِشَة وَمَنزِلَتهَا مِنهُ فَوَهَبَت يَومهَا مِن رَسُول اللَّه (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ) لِعَائِشَة فَقَبلَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ).
وبالطبع سارع رب محمد بإنزال آيات قرآنية لتبرر موقفه وتشرعه على باقي المسلمين من بعده ، وذلك في سورة النساء، الآية 128{ وَإِنَّ امرَأَةٌ خَافَت مِن بَعلِهَا نُشُوزًا أَو إِعرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَن يُصلِحَا بَينَهُمَا صُلحًا وَالصُّلْح خَيرٌ وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ اَلشُّحّ وَإِن تُحسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرًا}.
وعندما نقرأ التفسيرات والأحاديث المفسرة لتلك الآية ، نجدها جميعاً قد أجمعت على تفسير واحد ، وهو الذي لخصه علي ابن أبي طالب في حديث: عن خالد بن عرعرة قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب ، فسأله عن قول الله عز وجل ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضاً فلا جناح عليهما ) قال علي: يكون الرجل عنده المرأة، فتنبو عيناه عنها من دمامتها، أو كبرها، أو سوء خلقها، أو قذذها، فتكره فراقه، فإن وضعت له من مهرها شيئاً حل له، وإن جعلت له من أيامها فلا حرج.
وفي تفسير القرطبي نقرأ التالي: قال الضحاك لا بأس أن ينقصها من حقها ، إذا تزوج من هي أشب منها وأعجب إليه.
إذن هنا وجب أن تعلم كل امرأة مسلمة ؛ أنها في حالة إن مرضت أو كبر سنها ، أو نقص الزمن من جمالها وحسنها، فلا جناح علي زوجها أن يتركها ويتزوج غيرها، وإذا أرادت أن تظل على عصمته ، وأن لا يتركها ، فوجب عليها أن تتنازل له عن مهرها أو مالها أو حياتها الزوجية معه ، كما فعلت سودة، وهو يقبل ذلك منها ، وقد رفع الله عنه الإحراج.
فأي شرع هذا ، وأي دين هذا الذي تتبعون؟ فإذا كنا نحن البشر الأشرار نستعف من هذا الفعل ونستنكره ونبغض فاعله، فهل يصح أن الله الصالح ، ينزل هذا الكلام ويشرعه على البشر، أم أن هذا كلام راعي غنم في صحراء جاهلية ؛ تحتقر المرأة وتزدريها، ويريد أن يعمم شرعه وقوانين مجتمعه على العالم كله.
المراجع:
البداية والنهاية، ابن كثير، الصفحة أو الرقم: 3/129
مسلم-كتاب الرضاع-باب جواز هبتها نوبتها لضرتها برقم 1463 وأخرج الإمام البخاري في صحيحه
صحيح البخاري-كتاب النكاح-باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها وكيف يقسم برقم 5212
تفسير الإمام القرطبي (5/404)