عاشت ماريا مع محمد كجارية يضاجعها بدون زواج، وكان يقضي معظم الوقت عندها كما جاء عن عائشة: "ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على ماريا، وذلك أنها كانت جميلة جعدة -أو دعجة- فأعجب بها رسول الله وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيتٍ لحارثة بن النعمان
ماريا بنت شمعون القبطية آخر زوجات الرسول محمد بن عبد الله، وهي من الشخصيات التي ثار حولها خلاف كبير، فنجد فريق من العلماء يقول إنها زوجة الرسول ومن أمهات المؤمنين، بينما تجد أغلب العلماء يؤكدون أن الرسول لم يتزوجها، وأنها كانت ملكة يمين أو سرية للرسول، وأنه كان يجامعها كملكة يمين مملوكة له، حيث لم يستطع، كالعادة، مقاومة جمالها، الذي ذكرته عائشة (جميلة جعدة)، ولم يكن ذلك هو الخلاف الوحيد، بل قد أثارت ماريا القبطية خلافًا أكبر ومستمر حتى اليوم بين السنة والشيعة، بخصوص حادثة الإفك الخاصة بها، والتي تم اتهامها فيها بمعاشرة خادم عندها.
نشأتها
ولدت ماريا في مصر في قرية حفن من كورة أنصنا. وكان أبوها عظيم من عظماء القبط، أما أمّها فهي روميّة ورثت عنها جمالاً أخّاذاً، كما ورد على لسان المقوقس في حديثهِ لحامل رسالة الرسول إليه.
قدمت ماريا إلى المدينة المنورة بعد صلح الحديبية سنة 7 هـ. بعث بها الملك المقوقس للنبي محمد مع حاطب بن أبي بلتعة، ومعها أختها سيرين بنت شمعون، وألف مثقال ذهبًا وعشرين ثوبًا وبغلته "دلدل" وشيخ كبير يسمى "مأبور". وفي المدينة، اختار الرسول ماريا لنفسه، ووهب أختها سيرين لشاعرهِ حسان بن ثابت الأنصاري.
حياتها مع محمد
عاشت ماريا مع محمد كجارية يضاجعها بدون زواج، وكان يقضي معظم الوقت عندها كما جاء عن عائشة: "ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على ماريا، وذلك أنها كانت جميلة جعدة -أو دعجة- فأعجب بها رسول الله وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيتٍ لحارثة بن النعمان، فكانت جارتنا، فكان عامة الليل والنهار عندها، حتى فرغنا لها، فجزعت فحولها إلى العالية، وكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا". حتى أنه في ذات يوم لم يستطع أن ينتظر عليها، وكانا في بيت حفصة وفي اليوم المخصص لحفصة، ولكن علت شهوته على عقله فضاجع ماريا في سرير حفصة، وقد وردت تلك الرواية في الكثير من كتب التفسير والسيرة فمثلا روى الدارقطني عن ابن عباس عن عمر قال: «دخل رسول الله بأم ولده ماريا في بيت حفصة، فوجدته حفصة معها - وكانت حفصة غابت إلى بيت أبيها - فقالت له: تدخلها بيتي! ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك. فقال لها: "لا تذكري هذا لعائشة، فهي عليّ حرام إن قربتها"، قالت حفصة: "وكيف تحرم عليك وهي جاريتك" فحلف لها ألا يقربها»([1])
ونركز هنا على بعض النقاط في تلك الرواية:
أولاً:
ثانيًا:
ثالثًا:
هل عزيزي القارئ إذا كنت في ذلك الزمن وشاهدت محمد في ذلك الوضع هل كنت ستتبعه وتؤمن بما يقوله؟!
ولابد أنك قد استنتجت عزيزي القارئ ماذا حدث بعد ذلك، فقد شعر محمد أنه تسرع في تحريم ماريا على نفسه، فذهب لزوجاته يبلغهم أن الله أنزل آيات من عنده تقول "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"[2]، وكانت تلك الآيات التي تنزل بعد كل موقف لمحمد فتعزز موقفه وتقدم له ما يتمناه بأوامر إلهية لا يستطيع أحد طبعا الاعتراض عليها، وهو ما جعل عائشة تقول له جملتها الشهيرة "ما أرى ربك إلا يسارع في هواك".
يحاول الآن بعض علماء المسلمين الادعاء بان تلك الحادثة لم تحدث، وأن الأحاديث التي جاءت فيه مرسلة كلها، ناسين أو متناسين أن تلك الحادثة ليست موثقة بالأحاديث فقط، وإنما بآيات من القرآن، لذلك إذا تركت الأحاديث وبحثت في تفاسير تلك الآية لابن كثير أو الطبري أو غيرهم من علماء التفسير، ستجدهم يتناولون تلك الحادثة في تفسير آية "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ".
ماريا القبطية والإفك عليها
من الحوادث التي وقعت في حياة ماريا القبطية هي حادثة الإفك عليها، حيث سرت شائعات في المدينة أن ماريا تخون محمد مع مأبور العبد الذي أتى معها من مصر، وأن إبراهيم الذي ولدته ماريا ليس ابن محمد، ولكنه ابن المأبور، فعن الإمام مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رجلاً كان يُتهم بأم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: (اذهب فاضرب عنقه)، فأتاه علي رضي الله عنه، فإذا هو في ركيٌّ – أي بئر - يتبرّد فيها ، فقال له علي: اخرج، فناوله يده فأخرجه، فإذا هو مجبوب ليس له "ذكر" ، فكفّ عليٌّ عنه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله ، إنه لمجبوب ماله ذكر).
وفي رواية البزار في مسنده عن علي رضي الله عنه قال: كثُر على ماريا أم إبراهيم رضي الله عنها في قبطيٍّ ابن عم لها، كان يزورها ويختلف إليها، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذ هذا السيف فانطلق، فإن وجدته عندها فاقتله)، قلت: يا رسول الله، أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة، لا يثنيني شيء حتى أمضي لما أمرتني به، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال: (بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب)، فأقبلت متوشح السيف، فوجدته عندها، فاخترطّت السيف، فلما رآني أقبلت نحوه تخوّف أنني أريده، فأتى نخلة فرقى فيها، ثم رمى بنفسه على قفاه، ثم شغر برجله، فإذا به أجبُّ أمسح، ما له قليل ولا كثير فغمدت السيف ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته فقال: (الحمد لله الذي يصرف عنّا أهل البيت). ويحكي البعض أن مأبور هذا ابن عم السيدة ماريا، والبعض يشير إلى أنه ليس مجرد عبد، وكان قرار الإمام ابن الجوزي في "المنتظم" أنه أخ لها وأنه شيخ كبير.
ونجد في هذين الحديثين أن محمد كالعادة استمع إلى الشائعات، وشك في جاريته أم ولده، وأخذ قرارًا بقتل مأبور، وذلك دون مواجهتهما أو ترك الفرصة لمأبور للدفاع عن نفسه، فلولا اكتشاف أن مأبور عبد مخصي لكان سفك دمه بالباطل. فهل هذا من لا ينطق عن الهوى، وإنه وحي يوحى، وأين ذهب جبريل؟ لماذا لم يأته الوحي بالحقيقة.
إن ما فعله محمد مع ماريا هو نفس ما فعله مع عائشة في حادثة الإفك الأخرى، حيث لم يتحرك ساكنًا للدفاع عنها وظل صامتًا ثم جاء بعد عدة أيام يقول إن الله أوحى إليه بآيات تبرئ عائشة، مما يوحي إلينا أنه يعاني من نقص ما أو عدم ثقة في النفس، قد انعكس بالتالي على ردود فعله في تلك الحادثتين، وما هو إحساس الزوجة التي ترى زوجها أكثر شخص يثق بها ويعرفها يتخلى عنها وينساق خلف الشائعات التي تنال منها.
وهنا نرجع لسؤالنا السابق، ما طبيعة شخصية محمد مع زوجاته وجواريه أو مع النساء عامة، وكيف لهذا الشخص الذي لا يستطيع تنظيم وإدارة أمور بيته أن يتولي مسئولية كلمة الله.
آخر سؤال يدور في أذهاننا الآن،
المراجع
[1] أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، باب من اسمه إبراهيم (2316)، والدارقطني في سننه، كتاب النكاح، كتاب الطلاق والخلع والإيلاء وغيره (122).
الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج 18، ص178، 179 بتصرف.
[2] سورة التحريم، الاية 1