قال داود: «قَدْ أَحَاطَتْ بِي كِلابٌ. جَمَاعَةٌ مِنَ ٱلأَشْرَارِ ٱكْتَنَفَتْنِي. ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ» (مزمور ٢٢: ١٦)
عاش النبي داوود قبل ميلاد المسيح بألف سنة، وكان أعظم ملوك بني إسرائيل، وهزم أو حالف كل الممالك المحيطة بمملكته، وكانت كل المنطقة في سلام بسبب قيادته الرشيدة، وقد عزا داود كل النجاح الذي بلغه لله سبحانه.
وكان داود نبياً، فماذا قال عن نفسه؟ لم يقُل إنه كامل، بل قال: «بِٱلإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور ٥١: ٥). فاعترف أنه خاطئ في نظر الله حتى من قبل أن يُولد! فكيف يعتبر نفسه خاطئاً قبل أن يرتكب خطية واحدة؟
كان عند داود نسخة من التوراة التي تروي قصة سقوط آدم، وهو يعلم أنه من نسل آدم، وأنه ورث ميول العصيان الشريرة. وكان يعلم في قلبه أنه ليس كاملاً، وأنه ذو طبيعة خاطئة. وكلنا خطّاؤون بالطبيعة وبالفعل، ونفوسنا أمَّارة بالسوء. ويقول داود: «لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاحاً، لَيْسَ وَلا وَاحِدٌ» (مزمور ١٤: ٣) فالجميع خطأة.
وذات يوم رأى النبي داود امرأة جميلة فاشتهاها وارتكب الخطأ معها، فحبلت. وكان زوجها يحارب في إحدى المعارك فدبَّر قتله في الحرب. وهي القصة المعروفة بأنه أخذ نعجة جاره الفقير! فهل تظن أن القصة مدسوسة؟ لا نظن، فلا يمكن أن يختلق اليهود هذه التهمة المخجلة ويُلصقوها بملكهم ونبيِّهم العظيم! ولكنها قصة حقيقية أثبتتها التوراة لتُرينا أن البشر خطّاؤون.
وقد سجَّل النبي داود اعترافه بهذه الخطية وتوبته عنها في مزمور ٥١، وفيه طلب غفران الله وتطهيره، لأنه كان يعلم أن كل أعماله الصالحة لن تكفِّر عن خطيته الشنيعة. ولكن كيف عفا الله عن داود الذي زنى وقتل؟
قال داود: «قَدْ أَحَاطَتْ بِي كِلابٌ. جَمَاعَةٌ مِنَ ٱلأَشْرَارِ ٱكْتَنَفَتْنِي. ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ» (مزمور ٢٢: ١٦)، ولم يحدث لداود أبداً شيء مثل هذا، فلا بد أنه كان يتحدَّث عن شخصٍ آخر. والحقيقة أنه كان يتنبأ بأمر مستقبلي، فقد كان اليهود يصفون الأمم الأغيار بأنهم «كلاب»، وكان الأنبياء يصفون اليهود بأنهم «أشرار»، ولم يُعرف الإعدام بالصلب وثقب اليدين والرِّجلين إلا بعد زمن النبي داود بمئات السنين.. إذاً كان النبي داود يتنبأ بصلب المسيح الذي سيحيط به الرومان الأغيار واليهود الأشرار وقد ثقبوا يديه ورجليه على الصليب.
وكان صلب المسيح هو وسيلة غفران خطايا داود. فلم يسترجع داود علاقة الأُنس بالله بأعماله الصالحة، لكن بفداء السيد المسيح.
وامتدَّ رجاء داود في المسيح إلى ما هو أكثر من غفران خطاياه، فقد قال: «لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي ٱلْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً» (مزمور ١٦: ١٠). ولم يقل هذا عن نفسه، فقد مات ودُفن في عاصمته، ورأى جسده فساداً، ولكنه آمن أنه في المستقبل سيجيئ المسيح قدوس الله الذي سيهزم الموت، ويعطي المؤمنين رجاءً في القيامة. وآمن بهذا قبل حدوثه بألف سنة، ونحن نعرف ما آمن داود به، فقد مضت عليه ألفا سنة، وقد اكتمل خلاصنا بالمسيح.. رأى داود نفسه خاطئاً، ولم يضع ثقته في صلاحه، بل في خلاص الله الذي يطهِّر من كل خطية.
هل تقبل خلاص الله؟ كلنا خطاه، ولا يوجد فينا واحد كامل، ولن تخلِّصنا أعمالنا الصالحة. لقد أورثنا آدم ميولاً شريرة تحرمنا من فردوس الله، ولكن الله في رحمته يمنحنا الغفران بالمسيح قدوس الله. وقد تنبأ داود بصلب المسيح قبل أن يعرف الصليب كوسيلة للإعدام. مات المسيح مصلوباً، لكن جسده لم يرَ فساداً في القبر لأن الله أقامه، وهو اليوم حي في السماء وسيعود منها دياناً للعالمين.. اقبل عطية خلاص الله لأن قبولك هو الطريقة الوحيدة لدخول جنة الله، فتخلص كما خلص داود.
المراجع:
بديع عبد الحق، رسائل، الطبعة الأولى، ١٩٩٨