الوصايا العشر الواردة في الكتاب المقدس ليست شرائع محددة، ولكن كل وصية من هذه الوصايا تشير إلى مبدأ هام يتخذه الإنسان ويستنبط منه القوانين التي ينظم بها حياته.
الناموسيون هم جماعة من اليهود المتدينين المتضلعين في ناموس موسى والذين تخصصوا في تفسير الناموس وشرائع العهد القديم وتعليمها في المدارس والمجامع. ويذكر قاموس الكتاب المقدس أن الناموسيين يشبهون رجال القانون في الأيام الحاضرة، الذين يتولون درس القانون ثم شرحه وتفسيره. وقد اتخذ الناموسيون من درس الناموس وتفسيره مهنة لهم.
وكان يطلق على الناموسيين اسم آخر هو الكتبة (متى 22 :35 ومرقس 12 :28 ولوقا 10 :25). ويشير أحد مفسري الكتاب المقدس إلى أن الكتبة كرّسوا حياتهم لدرس قوانين وشرائع العهد القديم. وكان هدفهم استخلاص قوانين خاصة من هذه الشرائع تساعد الناس على تطبيقها والاسترشاد بها في الحياة اليومية.
فعلى سبيل المثال إن الوصايا العشر الواردة في الكتاب المقدس ليست شرائع محددة، ولكن كل وصية من هذه الوصايا تشير إلى مبدأ هام يتخذه الإنسان ويستنبط منه القوانين التي ينظم بها حياته. لذلك اعتقد الناموسيون أن بإمكانهم أن يستخرجوا قوانين تنظم الحياة لكل إنسان، ولكل موقف خاص يواجهه. وعلى هذا الأساس فقد خصص الكتبة حياتهم للشرح والاجتهاد والفتوى، واستنبطوا من المبادئ العامة في العهد القديم آلافًا من القوانين والأحكام حتى يسير الناس بموجبها.
وهناك إشارات إلى الناموسيين في العهد الجديد أهمها، أنهم كانوا يعملون ضد يوحنا المعمدان، الذي كان يمهد الطريق أمام المسيح ويبشر بالمسيح الذي سيكمل الناموس. يقول الكتاب: "وأما الفريسيون والناموسيون فرفضوا مشورة الله من جهة أنفسهم غير معتمدين منه (أي من يوحنا المعمدان) (لوقا 7 :30). كما أن الكتبة كانوا ضد المسيح أيضًا لأنهم اعتبروه دخيلاً على الشريعة ومحرفًا لها، بينما اعتبروا أنفسهم حماة للشريعة. ويذكر الإنجيل المقدس بأن الكتبة كانوا دائمًا يحاولون الإيقاع بالمسيح وتعجيزه بأسئلتهم (متى 22 :25 ولوقا 10 :25).
وهاجمهم المسيح أكثر من مرة وندد بهم بلهجة قاسية، لأنهم يحملون الناس أحمالاً ثقيلة ويفرضون عليهم قوانين لا يمارسونها هم أنفسهم. قال لهم يسوع: "ويل لكم أنتم أيها الناموسيون، لأنكم تحملون الناس أحمالاً عسرة الحمل وأنتم لا تمسون الأحمال بإحدى أصابعكم" (لوقا 11 :46).
والمعروف أن موقف المسيح من الكتبة والفريسيين كان موقف الكارز. إذ أنه كان يحاول أن يوجه لهم اللوم بالنسبة لتصرفاتهم الشاذة، مشجعًا إياهم على الابتعاد عن ضلالهم وغرورهم. ونلاحظ أن الكلمات التي وردت على لسان السيد المسيح في إنجيل متى 23 هي أفضل دليل على موقف المسيح منهم: "حينئذ خاطب يسوع الجمع وتلاميذه قائلاً: على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون. فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه.
ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون. فإنهم يحزمون أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل ويضعونها على أكتاف الناس وهم لا يريدون أن يحركوها بإصبعهم. وكل أعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس. فيعرضون عصائبهم ويعظمون أهداب ثيابهم. ويحبون المتكأ الأول في الولائم والمجالس الأولى في المجامع، والتحيات في الأسواق وأن يدعوهم الناس سيدي، سيدي. وأما أنتم فلا تُدعوا سيدي، لأن معلمكم واحد المسيح، وأنتم جميعًا إخوة.
ولا تدعوا لكم أبًا على الأرض، لأن أباكم واحد الذي في السماوات. ولا تدعو معلمين، لأن معلمكم واحد المسيح. وأكبركم يكون خادمًا لكم. فمن يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع. لكن ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس، فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون.
ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تأكلون بيوت الأرامل، ولعلة تطيلون صلواتكم. لذلك تأخذون دينونة أعظم.
ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلاً واحدًا، ومتى حصل تصنعونه ابنًا لجهنم أكثر منكم مضاعفًا.
ويل لكم أيها القادة العميان القائلون من حلف بالهيكل فليس بشيء. ولكن من حلف بذهب الهيكل يلتزم. أيها الجهال والعميان، أيما أعظم الذهب أم الهيكل الذي يقدس الذهب. ومن حلف بالمذبح فليس بشيء. ولكن من حلف بالقربان الذي عليه يلتزم. أيها الجهال والعميان، أيما أعظم القربان أم المذبح الذي يقدس القربان. فإن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه، ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه. ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه.
ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تعشرون النعنع والشبت والكمون وتركتم أثقل الناموس، الحق والرحمة والإيمان. كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك. أيها القادة العميان الذي يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل.
ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تنقون خارج الكأس والصحفة وهما من داخل مملوآن اختطافًا ودعارة. أيها الفريسي الأعمى، نق أولاً داخل الكأس والصحفة لكي يكون خارجهما أيضًا نقيًا.
ويل لكم أيها الكتبة والفريسون المراؤون، لأنكم تشبهون قبورًا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا أنتم أيضًا من خارج تظهرون للناس أبرارًا ولكنكم من داخل مشحونون رياءً وإثمًا.
ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تبنون قبورًا مبيضة تظهر من خارج جميل وهي من الداخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا أنتم أيضًا من خارج تظرهون للناس أبرارًا ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثمًا.
ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تبنون قبور الأنبياء وتزينون مدافن الصديقين، وتقولون لو كنا في أيام آبائنا لما شاركناهم في دم الأنبياء. فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء. فاملأوا أنتم مكيال آبائكم. أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم" (متى 23 :1-33).
إن السيد المسيح لم يشدد على اتباع النواميس، أي القوانين الضيقة التي هي من صنع البشر، والتي تضع أحمالاً ثقيلة على كواهل الناس، بل كان يشدد على اتباع روح التقوى والعفة وروح الناموس فقال: "فإني أقول لكم إنكم إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين، لن تدخلوا ملكوت السماوات" (متى 5 :20).
وعلى هذا الأساس فقد لخص الرب يسوع روح الناموس بمحبة الإنسان لله، ومحبته لإخواته بني الإنسان. وعندما جاء بعض الناموسيين يسألون المسيح عن الوصية العظمى في الناموس قال: "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك، هذه هي الوصية الأولى والعظمى، والثانية مثلها، تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء" (متى 22 :37-40).
فالمسيح لا يريدنا أن نكون ناموسيين في حياتنا، بل محبين متسامحين، نحيا فيه وهو يحيا فينا. علينا أن نحيا في المسيح وله ومعه، وليس المهم حفظ الناموس بل الحياة بالمسيح يسوع.