لقد كان المسيح له موقف فريد حيال جميع الذين جعلهم المجتمع هامشيين بفعل الوضع الساقط ومن بين هؤلاء المرأة. لقد أعاد يسوع للمرأة إعتبارها وحررها من نير العبودية والانتقاص.
قبل الحديث عن مكانة المرأة في الإنجيل لابد من التعرف على التصور اليهودي عن المرأة الذي كان يطبع البيئة التي عاش فيها يسوع:
الوضع الدوني للمرأة
في البيئة اليهودية التي عاش فيها المسيح كان للمرأة وضع دوني فُرض عليها في مجتمع ساده الرجال على كل الأصعدة وكان هذا الوضع يستند إلى نصوص الشريعة التي اعتبرتها دون الرجل كرامة ومقامًا.
المرأة عُدت من ممتلكات الرجل
في الوصايا العشر تظهر المرأة وكأنها من ممتلكات الرجل على شاكلة بيته وعبده وثوره وحماره ومن هنا جاءت الوصية التي تُحرم على الرجال اشتهاء زوجات الآخرين.
حرمان المرأة من الميراث
من حيث شريعة الميراث لم يكن للفتاة أن ترث أباها إلا إذا لم يكن له ابن يرثه ففي هذه الحالة فقط يصبح الميراث من حق ابنته.
انتقاص المرأة على الصعيد الديني
كانت المرأة منتقصة حتى على الصعيد الديني فقد كان على كل يهودي أن يقوم بالصلاة يوميًا في كل صباح قبل القيام بأي عمل وكذلك في المساء وكان يُستثنى من هذه الفريضة النساء والعبيد.
مكانة المرأة في تعليم يسوع وسلوكه
لقد كان المسيح له موقف فريد حيال جميع الذين جعلهم المجتمع هامشيين بفعل الوضع الساقط ومن بين هؤلاء المرأة. لقد أعاد يسوع للمرأة اعتبارها وحررها من نير العبودية والانتقاص. وهذا ظهر في تعليمه مثلًا عن الطلاق. المسيح تناول جذور الموضوع أي إلى طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة كما رسمها التصميم الإلهي لخلق الإنسان وهنا أعاد يسوع طرح الموضوع من منظار جديد وبطريقة ثورية. لقد كانت المرأة في اليهودية من فصيلة الأشياء وكان من الطبيعي أيام اليهودية أن الرجل يُطلق امرأته ويتخلى عنها كما يتخلى عن ثيابه كما كان من حقه التخلي عن أي شيء يمتلكه . المسيح قَلَبَ هذه المقاييس رأسًا على عقب لأنه يؤكد أن العلاقة بين الرجل والمرأة كما يراها الله وأنها ليست علاقة إنسان بشيء إنما هي علاقة شخص بشخص.
تعليم المسيح عن الشهوة:
الشريعة كانت تقول لا تزن، وقد كان يُفهم منها أنه ينبغي للرجل أن يكتفي بالزوجة التي يمتلكها وأن لا يتعدى على ملك سواه وكأن القضية قضية امتلاك يعتبر مشروعًا في بعض الحالات. يسوع نسف من الأساس فكرة التملك هذه لأنها تلغي إنسانية المرأة وتحطم كرامتها. واعتبر الزواج ليس عقد ملكية بل شراكة والممارسة الجنسية فيه إن لم تكن تعبيرًا حرًا عن الشراكة ولغة للتلاقي تتحول إلى استغلال يتستر بغطاء الشرعية ليسلب من المرأة وجودها الذاتي العميق. تعليم يسوع عن الشهوة لا يشكل بأي حال من الأحوال تحقيرًا للمرأة ودعوة إلى الحذر منها بل دفاعًا عن كيانها وإحقاقًا لكرامتها الإنسانية.
في سلوكه
موقف يسوع من المرأة تعدى تعليمه إلى مجمل سلوكه، هذا السلوك الذي تتجلى فيه بشكل لافت سمات الإنسان الجديد. فيسوع يتميز عن زمانه بموقفه الفريد من النساء. ذلك الموقف الحر كان بمثابة إعادة اعتبار للمرأة المهدورة الكرامة وعودة إلى التصميم الإلهي الأصيل في التوافق الذي لا خوف فيه ولا عدوان وعودة بين الرجل والمرأة ولم يحجم يسوع في سبيل ذلك عن مخالفة الأعراف الاجتماعية السائدة لا بل عن مخالفة حرفية للناموس. وبعض وجوه هذا السلوك:
سماح يسوع بانضمام نساء إلى تجواله التبشيري
يسوع أخرج المرأة من الهامشية والانزواء وذلك عن طريق التعامل العلني مع المرأة ومصادقة المرأة فلم يكن مُستغربًا أن تقوم صداقة بين رجل وامرأة ولكن يسوع قد تجاوز هذا العرف، فقد كان معروفًا أنه تربطه علاقه صداقة ليس مع لعازر وحسب بل مع اختيه مريم ومرثا أيضًا وكان يتردد عليهم في منزلهم في بيت عنيا ليأخذ قسطًا من الراحة.
اتخذ يسوع من حياة المرأة مادة لتعليمه، في حين أن معلمي اليهود لم يكونوا ليجرؤوا على ذكر النساء وعملهن في معرض تعليمهم، نرى يسوع يتخذ في أمثاله أعمال المرأة وأوضاعها نموذجًا لملكوت الله الذي يبشر به.
يسوع أبدى إعجابه بإيمان بعض النساء، يسوع لم يتردد بإبداء إعجابه علنًا بإيمان بعض النساء، في حين أن المجتمع اليهودي آنذاك كان يُهمش المرأة حتى دينيًا، فقد قال علنًا للمرأة الكنعانية " ما أعظم إيمانك أيتها المرأة" ( متى 28:25)
يسوع تحدى قوة مجتمعه حيال النساء، يسوع تحدى القسوة التي كان يبديها مجتمعه حيال المرأة وظهر هذا جليًا في حادث المرأة التي أخُذت في زنى وكانوا يريدون أن يرجموها. رأى يسوع أن هؤلاء يستخدمون الشريعة ليحملوا المرأة وحدها وزر الشر الذي يرتكبونه كلهم. لقد وقف معها ولو كانت خاطئة ولكنه لم يكن مع خطيئتها لأن الخطية عدوة لها تؤذي إنسانيتها
وهكذا نرى أن يسوع في الإنجيل يعيد إلى المرأة مكانتها وكرامتها وملء دورها الإنساني ويؤكد إلى الوحدة الكيانية العميقة بين الرجل والمرأة رغم كل الفواصل المُصطنعة التي وضعها المجتمع جيلًا بعد جيل ليُرسخ سلطوية الرجال ويحكم على النساء بالدونية.
المرجع:
كوستي بندلي، المرأة في موقعها ومرتجاها، دار العالم العربي (بيروت،1994)