"أن الازدواج في الطبقة الأولى بعد آدم وزوجته أعني في أولادهما بلا واسطة، إنما وقع بين الإخوة والأخوات ازدواج البنين بالبنات إذ الذكور والإناث كانا منحصرين فيهم يومئذ، ولا ضير فيه فإنه حكم تشريعي راجع إلى الله سبحانه؛ فله أن يبيحه يوما ويحرمه آخر"
توجد نصوص تتكلم عن ابنتي لوط، اللتان اضطجعتا مع أبيهما (تكوين 19)؛ ويهوذا، الذي عاشر زوجة ابنه (دون أن يعرف هذا طبعًا)، بعد أن توفي ابنه عير (تكوين 38).... إلخ. لفهم تلك النصوص يجب أن ننتبه للمبادئ التالية:
أولا:
فهي لا تتكلم عن مواقف الله من تصرفات البشر. فعندما يُخطئ البشر، هذا لا يؤثر هذا على قدسية الله أو قدسية كلامه. فالذي يؤثر على قداسة الله، هو تأييده على زنى هؤلاء؛ فإذا أنزل عليهم الله آية تحلل لهم زناهم؛ هنا الكارثة الكبرى التي تصيب قدسية الله وكلامه. فلا يمكن أن ينزل الله آية على يهوذا مثلا، بأنه حلل له أن يتزوج امرأة ابنه (وحتى بعد موت ابنه). إذا حدث هذا، يكون فعلا الأمر لا يليق في حق الله؛ ويكون الله عندئذٍ يشجع على الفحشاء.
ثانيًا:
القضيتان بهما شيء مشترك، وهو أن البنات غير زانيات إطلاقًا؛ بل بالعكس، يردن نسلاً مقدسًا من شعب الرب؛ وذلك لأنهنَّ لا يردن أن يزنين أو يتزوجن مع رجال وثنيين، ليسوا من شعب الرب. فنلاحظ في النصين، بالنسبة للوط وبناته، أن التركيز هو أن يعطيهم الله نسلاً مقدسًا لأبيهما، وليس الزنى بحد ذاته:
" هَلُمَّ نَسْقِي أَبَانَا خَمْرًا وَنَضْطَجعُ مَعَهُ، فَنُحْيِي مِنْ أَبِينَا نَسْلاً." (تكوين 19: 32 )
وأختها الثانية كذلك الأمر:
" وَحَدَثَ فِي الْغَدِ أَنَّ الْبِكْرَ قَالَتْ لِلصَّغِيرَةِ: إِنِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ الْبَارِحَةَ مَعَ أَبِي. نَسْقِيهِ خَمْرًا اللَّيْلَةَ أَيْضًا فَادْخُلِي اضْطَجِعِي مَعَهُ، فَنُحْيِيَ مِنْ أَبِينَا نَسْلاً." (تكوين 19: 34 )
كذلك ثامار مع يهوذا، أصرت على أخذ خاتم يهوذا، لأنها أرادت أنها عندما تحبل منه، تبرر نفسها. وعندما علم أنها حامل أراد حرقها؛ فواجهته بما حدث، فقال يهوذا أمام الجميع "هي أبر مني" (تكوين 38: 26)، وهذا يعبِّر عن قداسة وتواضع وشفافية رجال الله، وليس التبجح وإنكار خطأهم والادعاء المزيف بأن "الله" أمرهم على الفحشاء!! فلم يدَّعِ مُتبجحًا أن الله حلل له أن يأخذ امرأة ابنه، كما تُعلِّم ديانات أخرى عن أنبيائهم؛ فيبرؤون النبي، وينسبون الفحشاء لله!!! (والعياذ بالله). لذلك تصرفات الأنبياء ورجال الله لا تؤثر على طهارة الله، بل ردوده على تصرفاتهم هي التي تظهر طبيعة الله المقدسة.
ثالثًا:
لم يكن محرمًا آنذاك الزواج من الأخوات والبنات، حيث نتكلم هنا على ألفي عام قبل المسيح (أي قبل 4000 عام). وشريعة موسى أتت حوالي 1400 قبل المسيح؛ حيث رأينا هناك موقف الله مما فعل لوط ويهوذا ورأوبن، وغيرهم من قبل:
"وَإِذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةِ أَبِيهِ، فَقَدْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَبِيهِ. إِنَّهُمَا يُقْتَلاَنِ كِلاَهُمَا. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا. وَإِذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ كَنَّتِهِ، فَإِنَّهُمَا يُقْتَلاَنِ كِلاَهُمَا. قَدْ فَعَلاَ فَاحِشَةً. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا...، وَإِذَا أَخَذَ رَجُلٌ أُخْتَهُ بِنْتَ أَبِيهِ أَوْ بِنْتَ أُمِّهِ، وَرَأَى عَوْرَتَهَا وَرَأَتْ هِيَ عَوْرَتَهُ، فَذلِكَ عَارٌ. يُقْطَعَانِ أَمَامَ أَعْيُنِ بَنِي شَعْبِهِمَا. قَدْ كَشَفَ عَوْرَةَ أُخْتِهِ. يَحْمِلُ ذَنْبَهُ." (لاويين 20: 11 – 17)
وحتى إبراهيم كان قبل الشريعة، وكانت سارة أخته من أبيه لذلك لم تحسب خطية عليه، لأن الله لم يحرم هذا بعد (تكوين 20: 12). وقبل نزول الوصية، لا تحسب الخطية: "..عَلَى أَنَّ الْخَطِيَّةَ لاَ تُحْسَبُ إِنْ لَمْ يَكُنْ نَامُوسٌ" (رومية 5: 13)
رابعًا:
1- قدرة الله لتغييرهم؛ حيث يبرز لنا كيف تغيروا فيما بعد.
2- إبراز أن الله وحده المعصوم عن الخطية، وليس البشر. عصمة الأنبياء ما هي إلا بدعة تمس في قداسة الله شخصيًا؛ لأنها تنسب أفعال الأنبياء الناقصة لمشيئة الله الكامل؛ مما يجعل الله إله ذات قوانين مزدوجة تعطيهم امتيازات؛ وتنفي عن الله أنه إله كامل الصفات، له ثوابت ومبادئ كاملة متساوية للجميع. وهذه الصفة لا تليق حتى بملك أرضي؛ فكم بالحري بالله عز وجل. فالكتاب المقدس يؤكد أن الله وحده المعصوم عن الخطأ؛ فإذا كان الأنبياء صالحين ومعصومين عن الخطأ، فما حاجتهم إلى الله إذًا!!
ملاحظة
قولنا إن زواج ذوي القرابة الأولى لم يكن محرمًا قبل الناموس، لا يعني أن رجالات الله لم تكن لهم أخلاق الشريعة السامية بالفطرة. لذلك اضطرتا ابنتا لوط، أن تسقيا أباهما خمرًا، لكي يضطجعن معه. ولذلك ذهبت ثامار وتنكرت لكي تقضي حاجة يهوذا، حيث كان أرملاً بعد وفاة زوجته. فلو كان لوط ويهوذا بوَعْيَهما، لما قبلا أن يفعلا ما فعلا؛ وحتى لو لم يكن يُعدُّ إثما آنذاك، حيث لم يُحرمه الله بعد. فأتى تحريمه بشريعة موسى بعد حوالي 600 عام.
ملاحظة
أيضًا يؤيد القرآن هذه النقطة، حيث لم يكن ما يسمى بزواج المحارم محرمًا على وقت لوط ونوح، وذلك من القرآن الكريم ذاته:
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" النساء: 1.
كما يفسر العبارة "وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً"، الميزان في تفسير القرآن:
"أن الازدواج في الطبقة الأولى بعد آدم وزوجته أعني في أولادهما بلا واسطة، إنما وقع بين الإخوة والأخوات ازدواج البنين بالبنات إذ الذكور والإناث كانا منحصرين فيهم يومئذ، ولا ضير فيه فإنه حكم تشريعي راجع إلى الله سبحانه؛ فله أن يبيحه يوما ويحرمه آخر"
المراجع:
باسم ادرنلي، الكنيسة المفتوحة