من ناحية إنجاب الأطفال تستدعي الحكمة أن يُراعي الإنسان جميع ظروفه المادية والمعنوية والصحية
إن هذا السؤال عن تحديد النسل سؤال شائك تصعب الإجابة عليه إجابة قاطعة، لأن الآراء تعدّدت حول هذا الموضوع، لا سيما وأن المسيحية لا تعطي رأيًا ملزمًا يمكن لجميع المسيحيين أن يتقيّدوا به.
ما ذكره الكتاب المقدس حول موضوع تحديد النسل
في الواقع إن الكتاب المقدس لا يعطي رأيًا أو اجتهادًا بهذا الصدد. ولكننا نستطيع القول على ضوء ما ورد في الكتاب المقدس بأن الأولاد هم أزهار الحياة وثمار الزواج المقدس، الذي سنّه الله منذ بدء الخليقة عندما قال لآدم وحواء:
وبناءً على ذلك، هل يُعتبر من الخطأ أن يلجأ بعض الناس إلى تحديد النسل الذي أمر الله أن يكثر ويزداد؟
قبل أن نحكم أنه من الخطأ أن يلجأ الإنسان إلى تحديد النسل، علينا أولاً أن ندرك المسئوليات المترتّبة على الوالدين تجاه أولادهم. صحيح أن الله يقول في كتابه المقدس: "بنوك مثل غرس الزيتون حول مائدتك" (مزمور 128: 3)، ولكنه سبحانه وتعالى لا يعني بذلك أن يجعل الرجل من زوجته مجرّد آلة لإنجاب الأولاد، أو أن يفكر الوالدان أن الحياة الزوجية ما هي إلا لزيادة النسل وكيفية إكثاره. لا شك أن الله يريدنا أن نكون واقعيين وحكماء، وأن نلتفت إلى أمور كثيرة تتعلق بالإنجاب وكثرة الأولاد.
إن الله يريدنا دائمًا أن نحيا حياة سعيدة وأن نقدّر المسئوليات المترتّبة علينا. فقبل أن نفكر في إنجاب العدد الكبير من الأولاد، علينا أن نفكر مثلاً في صحة الأم، كما ينبغي علينا أن نفكر في إمكانياتنا المادية وفيما إذا كان بإمكاننا أن نعيل عائلة كبيرة. صحيح أن الأولاد هم بركة من الله ولكن الله يطلب منا أن نهتم بأولادنا وأن نعلّمهم ونثقّفهم، ونهيّئ لهم سبُل العيش الرغيد، وأن نقيهم شرّ الحاجة، ونعمل كل ما باستطاعتنا لإسعادهم. يقول الله في كتابه المقدس:
فإذا كان الإنسان يشعر أنه لا يستطيع أن يربيهم تربية صالحة، ويعلّمهم ويهذّبهم لئلا يكون عالة على المجتمع عندما يكبرون. فالله، حسب اعتقادنا، لا يعاقب الإنسان إذا لم ينجب عددًا معينًا من الأولاد، ولكنه يحاسبه إذا كان غير مهتم بتربية أولاده تربية صالحة، ولا يوفر لهم سبل العيش الرغيد والسعادة والثقافة والعلم.
فموضوع تحديد النسل يعتمد على الإنسان نفسه ومدى تحكيمه للعقل في أمور حياته. إذ أن الله أعطى الإنسان الحكمة والعقل الراجح لكي يحكّم عقله في كل شيء، وقال لنا:
فمن ناحية إنجاب الأطفال تستدعي الحكمة أن يُراعي الإنسان جميع ظروفه المادية والمعنوية والصحية، وأن يتصرّف بحسب الإمكانيات التي وهبها الله له. وعلى الوالدين تحكيم عقولهم في قضية تربية أولادهم تربية صالحة، وتأمين علمهم وثقافتهم بحسب طاقاتهم وإمكاناتهم والاهتمام بصحتهم. وهكذا نرى أن المسيحية لا تضع قوانين وأنظمة بخصوص تحديد النسل، بل يترتّب على كل فرد أن يحكّم عقله الذي أعطاه إياه الله في جميع تصرفاته.