الذين قبلاً لم تكونوا شعبًا، وأما الآن فأنتم شعب الله الذين كنتم غير مرحومين وأما الآن فمرحومون»
إذا أخذنا بما ورد في «فهرس الكتاب المقدس» ص ۳۲۲ وجدنا أن فعل «شري» و «اشتري» ورد عدة مرات في العهدين، وفي كل مرّة يشتري أحد من الناس شيئاً ويدفع الثمن للآخر. فقد اشتري فوطيفار يوسف ابن يعقوب (تكوين ٣٩: ١) وعاد يوسف واشتري كل أرض لمصر ملكاً لفرعون (تكوين ٤٧: ٢٠). وكما تعرف الشراء والبيع هو بين طرفين واحد يملك ويبيع والآخر يشتري ويدفع الثمن. هنا يجب أن نتوقف
ونسأل:
أولاً: مَنْ الذي يملك الخليقة كإله خالق، خلق كل الأشياء من العدم؟
ليس الآب وحده ولا الابن وحده وإنما الثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس.
ثانيًا: مَنْ الذي يملك أن يبيع الخليقة لآخر لديه الثمن، الآب الذي يملك الخليقة وهو سيدها وربها، مع الابن والروح القدس؟ أم الآب وحده، أم الابن وحده؟ كل هذه أسئلة تفتح لنا باب التساؤل مع الذين يتصورون أن الابن اشتري الخليقة بدمه من الآب أو أن الآب اشتري الخليقة بدم الابن من الابن أو .... الخ!!! هذه التصورات لا وجود لها في الكتاب المقدس نفسه.
ثالثًا: ماذا يقول العهد الجديد نفسه عن شراء المفديين؟ يقول سفر الرؤيا عن تسبحه السمائيين «مستحق أنت، لأنك ذبحت واشتريتنا الله بدم، وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنة فسنملك على الأرض» (رؤ ٥: ٩ - ١٠).
وبتأمل كلمات الوحى المقدس، نعرف أن الابن هو الحمل القائم كأنه مذبوح (رؤ ٥ : ٦)، ونعرف أنه هو الذي ذُبح... ولكنه لم يدفع الثمن للآب، بل اشترانا الله أي لنفسه وللآب وللروح القدس هل يمكن أن نتصور أن الابن اشتري من الآب والنص يقول أنه اشترانا الله، أي ناب عن الآب في الشراء، وبالتالي لا يمكن تطبيق قواعد الشراء والبيع ولا يجوز لنا أن نقول أن الدم هو الثمن الذي دفعه الآب لأن الوسيط هو الابن.
هذه الأفكار لا تجوز بالمرة لأنها في حقيقة الأمر لا تنسجم مع كلمات التسبحة «جعلتنا لإلهنا ملوكا وكهنة وسنملك على الأرض» لأن الإنسان يستطيع أن يشتري العبيد والمواشي ... الخ، ولكنه لا يستطيع أن يشتري ملكا وكاهنًا!! هنا يجب أن نفهم أن الشراء هنا هو «اقتناء» وليس عملية تجارية والقرينة تأتي من سفر الأعمال نفسه حيث يقول الرسول بولس:
«احترزوا إذا لأنفسكم ولجميع الرعية ... لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه » (أع ۲۰ :۲۸). هو شراء الاقتناء والملك، وهو كما نعرف شراء الخليقة الجديدة من الموت، هو اقتناء وليس شراء بالمعنى التجاري!!! والقرينة الثانية في عبارة الرسول بطرس «أما أنتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي أمة مقدسة، شعب اقتناء لكي تخبروا بفضل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب.
الذين قبلاً لم تكونوا شعبًا، وأما الآن فأنتم شعب الله الذين كنتم غير مرحومين وأما الآن فمرحومون» (۱بطرس ۲: ۹ - ۱۰). ما أعظم هذا الاقتناء لمن صاروا «شعب الله» لمن كانوا قبلا «غير مرحومين». هذا هو الشراء الذي يتحدّث عنه الرسول بطرس نفسه بعد ذلك، عندما يقول عن الأنبياء الكذبة» هم ينكرون الرب الذي اشتراهم يجلبون على أنفسهم هلاكاً سريعاً» (۲ بطرس ١: ١)
وقبول تعليم الأنبياء الكذبة يحرم الذين يقبلون هذا التعليم من أن يكونوا «شعب الله». وباقي كلمات الرسول تؤكد هذا المعنى خصوصًا عندما يتوقف الرسول عند الحرية الأخلاقية التي يتحدث عنها الأنبياء الكذبة «واعدين إياهم بالحرية وهم أنفسهم عبيد الفساد لأن ما انغلب منه أحد فهو له مستعبد أيضاً» (٢ بطرس ۲: ١٩). ومَنْ اقتناه الرب بدمه هو عبد للرب لا يملك الانفلات الأخلاقي الذي يحذر منه الرسول لأن عبد الرب أو عبد المسيح وهو لقب رسول الأمم.
هو هروب «من نجاسات العالم بمعرفة الرب والمخلص» (۲) بطرس ٢: ٢٠)، وهو ما يجعل سفر الرؤيا يقول عن «المفديين»، «هؤلاء اشتروا من بين الناس باكورة الله، وللحمل وفي أفواههم لم يوجد غش، لأنهم بلا عيب قدام عرش الله» (رؤ ١٤: ١٤).
فكيف قيل هنا أن الشراء تم لمصلحة الله والحمل ... هذه كلمات تؤكد حق الامتلاك والاقتناء وليس ما يحدث في الحياة التجارية. وعن هذا يقول الرسول بولس «من دعي عبداً في الرب وهو عبد فهو عتيق (حر) الرب» وهذا عكس القاعدة القانونية والتجارية في العالم القديم!! لأن العبد لا يمكن أن يتحرّر بالإيمان، بل بمن يعتقه بدفع ثمنه لسيده الذي اشتراه من سوق النخاسة (العبيد).
ولكن العبد هنا هو «عتيق الرب» هو سيد حر في مجتمع الخليقة الجديدة أي الكنيسة ويكمل الرسول كلامه «كذلك أيضاً الحر المدعو هو عبد للمسيح» ويعكس الرسول القاعدة مرة ثانية. فالسيد هو عبد لكي يدرك أنه ليس سيدًا في الكنيسة!! ويختم كلامه مؤكداً أن كل أعضاء الكنيسة «قد اشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيدا للناس» (۱کور ٧: ٢٢- ٢٣).
وإذا لاحظ القارئ فإن صيغة المبني للمجهول قد استخدمها الرسول مرتين:
المرة الأولي في (١كور ٦ :٢٠) والمرة الثانية (١كور ۷: ۲۳). وفي المرتين يؤكد الرسول الاقتناء لأنه في المرة الأولي يقول «جسدكم هو هيكل للروح القدس.. أنتم لستم لأنفسكم» والإنسان لا يشتري هيكلاً للروح القدس بل يتطوع به والله لم يشتر منا نحن البشر حياتنا، ودفع لنا الثمن، بل هنا يظهر لنا قوة التشبيه وجماله لأن الحقيقة أعظم من كل العبارات البشرية حقاً لم يشتر الله شيئاً منا لكي يجعلنا هيكلاً له، بل كما أن الهيكل لا يجوز استخدامه لغير الله ولغير العبادة ... هكذا صارت حياتنا هي الله وللعبادة. وفي المرة الثانية كما لاحظنا العبد حر في المسيح والحر عبد في المسيح.
المراجع:
هـانى ميـنا ميخائـيل، العدالة الإلهية - حياة لا موت.. مغفرة لا عقوبة، الطبعة الأولى، ٢٠٠٩.