« وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا»(إشعياء ٥٣: ٥).
ليعلن لنا صفاته وطبيعته إعلاناً إيجابياً كلياً ونهائياً. «الله لم يره أحد قط» ولكن ذلك الابن الوحيد الذي في حضن الآب منذ الأزل، وعرف كل صفاته واختبر طبيعته، أعلن الله لنا لأنه الكلمة. ولما تجسَّد وعاش بين الناس عيشةً كليّة الصلاح حملهم أن يفهموا بطريقة حسِّية صلاح الله وكماله،
وكيف يكون الإنسان صالحاً مثل الله. لهذا نرى مجد الله الحقيقي في وجه يسوع، أي في صفاته وحياته اليومية فإنه «بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ» (عبرانيين ١: ٣).
فالمسيح إذاً هو الإعلان النهائي المعطَى من الله لتعليم البشر عن صفات الله، الذي لا يقدر أحد أن يزيد عليه إلا وينقصه، ولا يصلحه إلا و يتلفه. ذلك لأن «يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَٱلْيَوْمَ وَإِلَى ٱلأَبَدِ» (عبرانيين ١٣: ٨).
لإظهار محبة الله الفائقة للجنس البشري، لأنه بواسطة تجسّده قدّمه الله ذبيحةً كافية للتكفير عن خطاياهم، لأن يسوع إذ كان كلي القداسة و إلهاً، كما هو إنسان، أصبحت ذبيحته عظيمة القيمة بحيث تكفر عن خطايا الجميع. وهاك بعض الشهادات الكتابية:
« وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا»(إشعياء ٥٣: ٥).
وشهد يوحنا المعمدان: «هُوَذَا حَمَلُ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا ١: ٢٩).
وقال بولس: «فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي ٱلأَّوَلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ ٱلْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ ٱلْكُتُبِ» (١كورنثوس ١٥: ٣).
وقال يوحنا الرسول: «وَهُوَ (يسوع) كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ ٱلْعَالَمِ أَيْضاً» (١يوحنا ٢: ٢).
وقال يسوع نفسه: «وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى ٱلْحَيَّةَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ هٰكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ، لِكَيْ لا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ»(يوحنا ٣: ١٤، ١٥).
وعليه تكون ذبيحة المسيح أعظم مظهر لمحبة الله، وعلى ذلك قوله: «هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» وقوله «وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ ٱلْمَسِيحُ لأَجْلِنَا».
ولا ننسى أن الله هو الذي أجرى في المسيح عمل الفداء «ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ» (يوحنا ٣: ١٦ ورومية ٥: ٨ و٢كورنثوس ٥: ١٩).
الله في ملء ثالوثه أبرز للعالم سرَّ محبته الفائقة فدبَّر طريق الخلاص بصفته أقنوم الآب، وأنجزه في الوقت المعين بصفته أقنوم الكلمة، وخصصه لقلوب البشر بصفته أقنوم الروح،
كما يدل ذلك قوله عن المؤمنين: «ٱلْمُخْتَارِينَ بِمُقْتَضَى عِلْمِ ٱللّٰهِ ٱلآبِ ٱلسَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (١بطرس ١: ٢).
بذبيحة المسيح وضحت قدرة الله على تبرير الأثيم ورَفْع الخطايا عنه، فإنه قد أعدَّ وسيطاً لبَذْل نفسه بسَفْك دمه لأجل التكفير عن خطايانا، لأنه «بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لا تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ»(عبرانيين ٩: ٢٢). لقد أحبَّنا الله محبة عظيمة ونحن بَعْد خطاة. أحبَّنا فاحتمل الأحزان الناتجة عن خطايا الخاطىء، فأصبحت المصالحة بين الله وبين الناس ممكنة، وأمكن حصولنا على غفران كامل.
فيسوع بموته أظهر قداسته (عدله) ووفاها حقها على التمام، كما أنه أظهر محبته (رحمته) وأنفذ مفعولها. فبواسطته اتَّفقت القداسة مع الرحمة وزالت من بينهما أسباب الخلاف، لأنه الله محب لكونه قدوساً، كما أنه قدوسٌ لكونه محباً.
فمن المستحيل أن يُظهر إحدى الصفتين بدون أن يُظهر الأخرى أيضاً في آنٍ واحد. اذاً نرى كما قال الكتاب: «وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ (أي المسيح) ٱلْخَلاصُ. لأَنْ لَيْسَ ٱسْمٌ آخَرُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال ٤: ١٢).
المراجع:
إيمان المسيحي وواجباته، الطبعة الاولي، 1995.