يحتوي الكتاب المقدس على مجموع الأسفار الموحي بها، والمتعلقة بخلق الله للعالم، وتاريخ تعامل الله مع البشر، وفدائه للخطاة
كثيرًا ما أسمع أن الكتاب المقدس هو مصدر الإيمان عند المسيحيين، فما هو هذا الكتاب، وعلى ماذا يحتوي؟ ثم ما هي اللغة التي كُتب بها أصلاً، وإلى كم لغة تُرجم حتى الآن؟ وهل يجب علينا أن نقرأه؟
الكتاب المقدس هو الكتاب الذي يحتوي على كلام الله، الذي أوحى به إلى أناس مختلفين من أنبياء ورسل، ليدونوه وينقلوه إلى البشر في كل الأرض، فدوّن هؤلاء مقاصد الله وتعاليمه تمامًا كما أوحي إليهم بإرشاد الروح القدس.
يحتوي الكتاب المقدس على مجموع الأسفار الموحي بها، والمتعلقة بخلق الله للعالم، وتاريخ تعامل الله مع البشر، وفدائه للخطاة، ومجموع النبوات عما سيحدث في العالم منذ خلقه حتى المنتهى. كما يحتوي على الشرائع الإلهية، والتعاليم الروحية، والنصائح الدينية والأدبية التي تناسب جميع البشر في كل الأزمنة، والمدونة بطرق وبأساليب مختلفة، من نثر وشعر وتاريخ وقصص، وحكم وأدب، وتعليم وإنذار وفلسفة وأمثال.
ويعتبر الكتاب المقدس مصدر الإيمان المسيحي والخبز اليومي للمؤمنين. فيه كل ما يختص بالإيمان والحياة والتعاليم الروحية التي تنبّر على محبة الله للإنسان، ومحبة الإنسان لله، ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان وتعامله معه في الحياة اليومية بأمانة وصدق وإخلاص. وقد ورد عن الكتاب المقدس بلسان الوحي الإلهي ما يلي: "كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر، لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهبًا لكل عمل صالح" (2تيموثاوس 3 :16-17).
إلى كم قسم ينقسم الكتاب المقدس؟
- ينقسم الكتاب المقدس إلى قسمين مجموع أسفارهما 66 سفرًا حسب الطبعة الإنجيلية، أي بدون أسفار الأبوكريفا، (بعض الأسفار غير القانونية) التي سيرد الكلام عنها لاحقًا في هذا الكتاب.
أ - العهد القديم: وهو مجموع ما كتب من أسفار قبل مجيء المسيح، وعدد أسفاره 39 سفرًا.
ب - العهد الجديد وهو مجموع ما كتب من أسفار بعد مجيء المسيح، وعدد أسفاره 27 سفرًا. ويشار عادة إلى كتاب العهد الجديد بأنه "إنجيل الله" (رومية 1:1 و1تسالونيكي 2: 2 و9 و1تيموثاوس 1 :11). و"إنجيل المسيح" (مرقس 1:1 ورومية 1 :16 ورومية 15 :19 و1كورنثوس 9 :12 و18 وغلاطية 1 :7). كما أن هناك تسميات أخرى وردت في الكتاب المقدس منها: "إنجيل نعمة الله" (أعمال 20 :24) و"إنجيل السلام" (أفسس 6 :15) و"إنجيل الخلاص" (أفسس 1 :13) و"إنجيل مجد المسيح" (2كورنثوس 4:4) و"إنجيل الملكوت أو بشارة الملكوت" (متى 4 :23).
وإن كلمة "إنجيل" مشتقة في الأصل من اللغة اليونانية "فانجيليون" ومعناها الحرفي "الخبر الطيب" أو "الخبر السار" أو "البشارة المفرحة". والكلمة العربية لكلمة إنجيل هي "بشارة". وقد سمي الإنجيل كذلك، لأنه يحمل لنا الأخبار السارة عن الخلاص بواسطة المسيح، الذي جاء إلى العالم لأجل خلاص الخطاة وفدائهم من الخطية بموته على الصليب بديلاً عنهم. كما أن كلمة "بشارة" تعني "كتابًا رسوليًا" يختص بحياة السيد المسيح على الأرض.
اللغة التي كُتب بها الكتاب المقدس في الأصل:
بالرجوع إلى بعض المصادر التاريخية واللاهوتية يتضح لنا أن الكتاب المقدس الكامل بعهديه القديم والجديد كُتب أصلاً بأكثر من لغة. فالعهد القديم من الكتاب المقدس، أي ما كُتب قبل مجيء المسيح كُتب باللغة العبرية، أو اللغة العبرانية، أما العهد الجديد أي ما كُتب بعد مجيء المسيح فقد كُتب باللغة اليونانية التي كانت شائعة آنذاك. وذلك يشمل طبعًا الأناجيل الأربعة وسفر أعمال الرسل والرسائل وسفر الرؤيا. ويفيد قاموس الكتاب المقدس بهذا الصدد أن اللغة اليونانية كانت شائعة آنذاك بعد فتوحات الإسكندر المقدوني الملقب بالإسكندر ذي القرنين. ويفيدنا قاموس الكتاب المقدس أيضًا أن اللغة اليونانية التي كُتب بها العهد الجديد هي المكدونية أو "الهلينية" القديمة الممزوجة أحيانًا باصطلاحات عبرانية وأخرى آرامية. والجدير بالذكر أن الكتاب المقدس الذي يحمل أخبار الخلاص بالمسيح يسوع قد تُرجم إلى عدد كبير من اللغات الحديثة.
لماذا نقرأ الكتاب المقدس؟
علينا أن نقرأ الكتاب المقدس أولاً، لأنه كلام الله. فعندما نقرأ كلمة الله المدونة على صفحات هذا الكتاب نتقوى بالروح وننمو بالإيمان، إذ أن "الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله" (رومية 10 :17). ففي كلمة الله السعادة والفرح، والصبر وطول الأناة، والمحبة واللطف، الوداعة والتعفف. كلمة الله تشددنا وتمنحنا الانتصار والغلبة على الشر والخطية، تطهر قلوبنا، تقدّس نفوسنا، تقوينا في الإيمان والرجاء والمحبة، وتعلمنا محبة الله والقريب حتى محبة الأعداء.
وعلينا أيضًا أن نقرأ الكتاب المقدس لأنه كتاب الحياة وتتضمن كل ما هو نافع ومفيد للإنسان من الناحية الروحية والحياتية، ويعتبر بمثابة دستور لحياة الإنسان، لأنه مليء بالتعليم والعبر والأمثال، وأروع ما يرويه الكتاب المقدس هو قصة حياة السيد المسيح التي تعتبر بالحقيقية أعظم قصة عرفها التاريخ. فحياة المسيح ليست حياة شخص وُلد وعاش ثم مات فانطوت سيرته.
إن حياة المسيح تختلف عن حياة أي إنسان عادي، وتعاليمه تنير حياة كل من يؤمن بها ويسير بموجبها، وشخصه يمنح الرجاء والخلاص. والأناجيل المقدسة مليئة بمثل هذه التأكيدات منها قول المسيح: "من له الابن فله الحياة" (1يوحنا 5 :12). وهذا يعني أن الذي يؤمن بالابن (أي المسيح) فله الحياة الأبدية، وتأكيده أيضًا أنه جاء ليبذل نفسه من أجل الجميع فهو يقول: "لأن ابن الإنسان أيضًا لم يأتِ ليُخدم بل ليَخدِم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مرقس 10 :45). كما يقول أيضًا: "لقد أتيت لتكون لهم (الناس) حياة، وليكون لهم أفضل" (يوحنا 10:10).
إن الكتاب المقدس يحتوي على تعاليم بسيطة جدًا واضحة يمكن لكل إنسان أن يفهمها، ولكن في الوقت نفسه، فيه أشياء عميقة وسامية جدًا يصعب تفسيرها. ولهذا السبب، لو قضى الإنسان عمره كله في قراءة الكتاب المقدس، لما استطاع أن يفوز بكل كنوزه فقراءته لا تدعوا إلى الملل، بل في كل مرة يقرأه الإنسان يجد فيه أشياء جديدة. ومهما بلغ الإنسان من الذكاء والمقدرة فلن يأتي في حياته اليوم الذي يستطيع أن يقول فيه بأنه أصبح يعرف الكتاب المقدس معرفة كاملة ويفهم كل محتوياته. لذلك، على الإنسان أن يقرأ الكتاب المقدس دائمًا، باحثًا فيه عن احتياجاته ومتطلباته الروحية لأنه كتاب حياة، وصالح لكل الظروف والأوقات.
كما أنا الإنسان بحاجة للغذاء المادي لكي ينمو جسديًا، فكذلك هو بحاجة للغذاء الروحي لكي ينمو روحيًا، ومصدر الغذاء الروحي هو الكتاب المقدس. فلا تدع الحاجات المادية أو الأفكار الشيطانية تمنعك من قراءته. عوّد نفسك يا أخي أن تقرأ فصلاً منه يوميًا، إلى أن يصبح ذلك عادة مألوفة لديك. وهذاما يساعدك لتصبح تلميذًا أمينًا ومخلصًا لمن قال "اثبتوا فيّ وأنا فيكم" (يوحنا 15 :4). فثباتنا في المسيح يأتي عن طريق قراءتنا لكلمة الله، وحفظنا وصاياه، والعمل بموجبها.
يوصينا الله في كتابه المقدس أن نكون مجتهدين في الإيمان، حارين في الروح، وأن نثبت في كلامه، وأن نلهج به نهارًا وليلاً، وأخيرًا يقول: "لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى" (كولوسي 3 :16). فلكي تسكن فيك كلمة المسيح بغنى، عليك أن تواظب على قراءة الكتاب المقدس كل يوم. حاول أن تخصص فترة مناسبة لقراءة الكتاب المقدس على انفراد، ولا تسمح أن يقاطعك شيء خلال هذه الفترة ويشوش على أفكارك، أو حتى أن يغريك لتأجيل هذه الفرصة التي خصصتها لدراسة كلمة الله.
من يقوم بترجمة الكتاب المقدس وطبعه وتوزيعه، وإلى كم لغة تُرجم حتى الآن؟
- تقوم بترجمة الكتاب المقدس وطبعه وتوزيعه مؤسسات خاصة تعرف "بجمعيات الكتاب المقدس" وهي منتشرة تقريبًا في كافة أنحاء العالم. وتعمل جاهدة على نشر كلمة الله لدرجة أن الكتاب المقدس هو الكتاب الأكثر مبيعًا في العالم. وقد قامت هذه الجمعيات بترجمة الكتاب المقدس بكامله إلى ما يزيد على ثلاثمائة لغة، بينما ترجم العهد الجديد من الكتاب المقدس كاملاً إلى ما يزيد عن ألف لغة. وقد تمت ترجمة ونشر الكتاب المقدس مع أجزاء منه إلى ما يزيد على ثلاثة آلاف لغة ولهجة من بينها اللغة العربية. والمعروف أن هناك أكثر من ترجمة للكتاب المقدس باللغة العربية ترجمت من اللغات الأصلية، (العبرية للعهد القديم، واليونانية للعهد الجديد)، أشهرها الترجمة المعروفة باسم "كرنيليوس فانديك"، أحد المرسلين المستشرقين، وطبعت عام 1865م. والترجمة اليسوعية الكاثوليكية التي طبعت عام 1880. والمعروف أنه عندما يترجم الكتاب المقدس، يتم ذلك على أيدي لجان من اللاهوتيين والعلماء المختصين حتى تكون الترجمة أمينة وتنقل المعاني الصحيحة لكلمة الله.
وعلى هذا الأساس نلاحظ أن الكتاب المقدس هو كلام الله الذي يحتوي على تعاليمه وإرشاداته، وهو غذاء حياتنا ومرشد نفوسنا، وعلينا أن نقرأه يوميًا لأنه يقربنا إلى الله وينير لنا السبيل.