«مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمَا لَمْ تُؤْمِنَا بِي حَتَّى تُقَدِّسَانِي أَمَامَ أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِذٰلِكَ لا تُدْخِلانِ هٰذِهِ ٱلْجَمَاعَةَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا» (العدد ٢٠: ١٢).
وُلد موسى كليم الله في مصر منذ نحو ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة. وكان يوسف قد جاء بعائلته إلى مصر فقضوا فيها أكثر من أربعمئة سنة، نُسي فيها يوسف وخدماته لمصر، وصار بنو إسرائيل عبيداً لفرعون يسومهم سوء العذاب.
وقد أجرى الله معجزات على يد موسى حتى أمر فرعون بطرد بني إسرائيل من مصر. ولكنه بعد خروجهم غيَّر رأيه وتبعهم بجيشه، فشقَّ الله البحر الأحمر فعبره بنو إسرائيل، وأعاده لحالته الطبيعية، فغرق فيه المصريون.
وفي صحراء سيناء كلم الله موسى من على الجبل. وعطش بنو إسرائيل في القفر فصرخوا وتذمروا على موسى وعلى أخيه هارون، فصلى موسى وطلب من الله أن ينقذ الشعب من الموت عطشاً. وسمع الله دعاءه وطلب منه أن يكلم الصخرة فتُخرج ماءً. وعاد موسى إلى الشعب فوجدهم لا يزالون يتذمرون على الله وعلى كليمه، فغضب وضرب الصخرة بدل أن يكلمها، فخرج الماء وارتوى الشعب.
ووبَّخ الله موسى على غضبه لأنه ضرب الصخرة ولم يكلمها. وقال له ولأخيه هارون: «مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمَا لَمْ تُؤْمِنَا بِي حَتَّى تُقَدِّسَانِي أَمَامَ أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِذٰلِكَ لا تُدْخِلانِ هٰذِهِ ٱلْجَمَاعَةَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا» (العدد ٢٠: ١٢). وهذا ما حدث، فقد مات موسى على جبل نبو، ولم يدخل أرض فلسطين.
فماذا يعلِّمنا هذا؟ يعلمنا أن خطية واحدة حرمت موسى من دخول أرض الموعد. وقد يبدو هذا قسوةً من الله، لكن الحقيقة أن الله قدوس وعادل، حتى أن خطية واحدة تمنع عنا بركاته.. فكم خطية ارتكبنا نحن؟ وإن كان الله قد عاقب كليمه على خطية واحدة، فكم يكون عقابنا يوم الدين؟ إن ما حدث مع موسى يُظهر لنا كراهية الله للخطية. ولم تقدر كل أعمال موسى الصالحة أن ترفع عنه عقوبة الحرمان من دخول أرض الموعد. فكم يكون حالنا نحن؟
لقد أوحى الله لموسى أن يكتب أسفار التوراة، فهي كلمة الله التي يجب أن نؤمن بها. وقد عرف موسى عن مواعيد الله لإبراهيم، وعرف أنه سبحانه سيرسل مخلِّصاً يُعيد للإنسان فردوسه المفقود، وكان يعرف أن الخطية التي طردت الإنسان من الجنة لا تمحوها كل الأعمال الصالحة، ولا يمكن أن ينجو الإنسان من عقوبتها إلا بتدبير إلهي، هو مجيء المخلِّص من نسل إبراهيم ليخلِّص البشر من خطاياهم.
ونحن اليوم نعرف أن المسيح المخلِّص قد جاء إلى عالمنا. وكما تطلّع موسى وأنبياء التوراة إلى مجيئه، نعرف نحن اليوم أنه جاء منذ ألفي عام وأكمل خلاصنا.
لنفترض أن شيخ قبيلة أقام وليمة دعا إليها كل أفراد قبيلته. وبينما كانوا يجهزون الوليمة تسلل عدو ووضع قطرة سم في قدر الطعام، ولكن أمره اكتُشف وقُبض عليه قبل أن يهرب. وقبل أن يأكل الضيوف قال لهم المُضيف: «لقد جاء عدو ووضع قطرة سم في الطعام، وقد قبضنا عليه. ولكنها مجرد قطرة».. فكم تظن عدد الذين سيُقبِلون على تناول الطعام؟ أعتقد أنه لا أحد.
ويصدُق الأمر على الخطية، فخطيةٌ واحدة كقطرة سم واحدة. لقد رُفض الطعام كله كما سيُرفض كل الخطاة من محضر الله. خطية واحدة حرمت آدم من الجنة، وخطية واحدة حرمت موسى من دخول أرض الموعد. وما أكثر خطايانا!
ولكن الله جهَّز خلاصاً بالمسيح الذي لم يرتكب غلطة واحدة أثناء سني حياته الثلاث والثلاثين على أرضنا، وهو وحده الذي يخلِّص إلى التمام، ودمه يطهرنا من كل خطية (١يوحنا ١: ٧).
آمن موسى أن كل خطاياه ستُغفَر تماماً بفضل عمل المسيح المخلِّص الآتي، فهل تقبل أنت ما عمله المسيح لأجلك منذ ألفي سنة؟ يريد الله أن يطهِّرك بدم المسيح الذي افتداك.
المراجع:
بديع عبد الحق، رسائل، الطبعة الأولى، ١٩٩٨