متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح. الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة (رو ٣: ٢٤)
بدخولنا في العهد الجديد فكت أختام ورموز الذبيحة والكفارة والفداء والفدية التي كانت مختفية في العهد القديم: «ظل الأمور العتيدة» (عب ١٠: ١- ٢). لقد كان الخاطئ يضع يده على الذبيحة فتنقل حياة الذبيحة (الجوهر الحقيقي) من الذبيحة إلى الخاطئ المائت.
وضع يد الخاطئ كان إعلان قبول الحياة بحرية، مرة ثانية، بدلا من الحياة التي بددتها الخطية. وكان الكاهن يتمم نقل الحياة هذا، بأن ينضح ويرش هذه الحياة على المتطهر، أو المقدسات التي كانت ترمز لكيان الإنسان في العهد الجديد.
لذلك كان التعبير «السلبي» عن انتقال الحياة من الذبيحة إلى الخاطئ هو: أن خطية الخاطئ، أي موته غياب جوهر الحياة ينتقل منه إلى الذبيحة، لذلك استعمل الوحي المقدس مجازات مثل:
التكفير – التطهير – الغسيل (بالماء والدم والروح) - المصالحة – الشراء – مرشوشين بالدم - التقديس التبرير -الفداء…الخ. ويستعمل الوحي هذه المعاني كمرادفات وينسجها معًا في عبارات تنسجم بالتمام، ليظهر معنى واحد هام، وهو (
ولذلك شرح هذا المعني الأب كاليستوس وير أسقف الدراسات الأرثوذكسية بجامعة أكسفورد، قائلاً:
لعل أوضح عبارة ذكرت لتصف الكفارة والفداء، بأقل رمزية هي: «الله كان في المسيح مصالحا العالم لنفسه» (۲ کو ٥ : ۱۹) . والله لم يكن مخاصما للإنسان بل الإنسان هو الذي احتاج أن يعود إلى الله. هذا عمل المسيح»
هذا المعنى أيضًا اللاهوتي الأرثوذكسي فلاديمير لوسكي في كتابOrthodox Theology
" إن ضخامة العمل الذي قام به السيد المسيح، لا يصح لنا اختزاله وتحديده بتفسير واحد ولا بتعبير مجازي واحد. إن فكرة الفداء في حد ذاتها تفترض وجود معنى قانوني وهو عتق العبد المشتري أو دفع دين لمن دخل السجن لأنه لم يستطع دفعه.
وأيضًا في تشبيه الوسيط الذي صالح الإنسان مع الله بذبيحة الصليب إلا أن هذه الصور والمجازات التي قداستعملها بولس الرسول، وكررها الآباء أحيانًا لا يصح لنا أن نفهمها بصورة متحجرة مطلقة [لا يصح تحويلها إلى عقيدة رسمية!] وذلك لأن فهما مثل هذا سوف ينشئ علاقة قانونية من حقوق مكتسبة أو ضائعة في علاقة الإنسان بالله إنما يجب علينا أن ننظر إلى هذه المجازات والصور مع بقية المجازات الأخرى.
فالبشارات تصف لنا مثل الراعي الصالح الذي يبحث عن الخروف الضال. ثم مثل الرجل القوي الذي غلب عدوه وأخذ الغنائم، أما في وصف الآباء فهناك مجازات النار المطهرة والطبيب الشافي لجروح أحبائه... ثم أخيرًا صورة الذبيحة وهي أقوي من أي مجاز آخر، فهي تعلن تقديم دم المسيح بروح أزلى... "
المجازات في الكتاب المقدس الخاصة بالخلاص:
لعل أحد أسباب استخدام المجازات والاستعارات والأمثال هو أن نعمة الله أعظم مما يتصوره الإنسان ويريد الله في نفس الوقت أن يعلن لنا محبته وأن يصف لنا هذه المحبة بشكل يستطيع الإنسان أن يفهمه ويقبله وأن يتحدث عنه ويمارسه، ثم يرتفع إلى الحقيقة الأزلية الأعظم من كل المجازات والأمثال المستعارة من الخليقة المادية. وكمثال لما نقول نقدم هنا بعض عبارات الكتاب المقدس التي تشرح مجازات الفداء والكفارة وتصف الكفارة بالتطهير والاغتسال من نجاسة الموت، بل ومصالحة الله للإنسان. هذه عبارات لا تعطي لمن يقرأها أي إشارة أن الكفارة تسديد قانوني لمصلحة إله يُسترضي بدفع ثمن أو كرامة مهانة تطلب حقها من الإنسان:
غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف (رؤ ٧ : ١٤)
وهم غلبوه بدم الخروف (رؤ ۱۲: ۱۱)
وأن يصالح به الكل لنفسه عاملا الصلح بدم صليبه (کو ١: ۲۰)
قد صولحنا مع الله بموت إبنه (رو ٥: ١٠)
الله كان في المسيح مصالحا العالم لنفسه (۲ کو ٥: ١٩)
لكن اغتسلتم، بل تقدستم بل تبررتم بإسم الرب يسوع وبروح إلهنا (١كو ٦: ١١ )
كنيسة الله التي إقتناها بدمه (أع ۲۰ : ۲۸)
الرب الذي إشتراهم (۲ بط ۲ : ۱)
ذبحت وإشتريتنا لله بدمك (رؤ 5: 9)
متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح. الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة (رو ٣: ٢٤)
فكم بالحري دم المسيح يطهر ضمائركم (عب ٩: ١٤- ١٥)
ودم يسوع إبنه يطهرنا من كل خطية (١ يو ١: ٧)
الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكًا وكهنة لله أبيه (رؤ ١ : ٥)
ويؤكد لنا بولس الرسول أن الله لم يطلب ولم يحتاج هو لذبيحة أبدا، بل استعمل لفظ «لم ترد و لم تسر بالذبائح» !! أي لم يسر برؤية الموت. ولكنه سُرَّ بذبيحة ابنه لأجلنا ولنا وفينا وبنا، لأن المحصلة النهائية لهذه الذبيحة، ليس فيها موت لا الحيوان ولا لإنسان بل كلها حياة ونصرة كاملة، لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع الخطايا [أي يُطهر من الموت]، لذلك عند دخوله إلى العالم يقول:
ذبيحة وقربانا لم ترد ولكن هيأت لي جسدًا، بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر، ثم قلت هئنذا أجئ... لأفعل مشيئتك يا الله، فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحد.
وليس بدم تیوس، وعجول، بل بدم (حياة) نفسه دخل مرّة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبديًا لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوشين على المنجسين [بموت الخطية النجس] يقدّس إلى طهارة الجسد، فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدّم نفسه الله [ ويقول : قَدَّمه الله لنا كفارة بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي » (عب ٩: ١٢- ١٤)
تؤكد هذه الكلمات بلا أدني شك أن التكفير هو «تطهير» برش الحياة والدم (للتقديس) على المنجسين بسبب الأعمال الميتة ولا يوجد في تعليم بولس الرسول أي إشارة إلى ارتباط الكفارة والفداء بتسديد قانوني على الإطلاق. بل هي كلها دواء يطهر الإنسان. ودخول المسيح إلى الأقداس بدم نفسه، هو تعبير مجازي عن دخوله إلى العالم بحياته: هذا كناية عن تجسده.
وتقديم جسد المسيح مرّة واحدة هو تعبير عن تقديم نفسه ذبيحة تطهير لنا بتَجَسَّده الذي قدس بشريتنا ببشرية الله المتجسد كما قال غريغوريوس اللاهوتي - ولذا يشرح الوحي المقدس:
" الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه" ( رو ٣: ٢٥)
" هو كفارة لخطايانا" (۱ يو۲:۲ )
"أحبنا وأرسل إبنه كفارة الخطايانا " (١ يو ٤ : ١٠)
"كان ينبغي أن يشبه إخوته [نحن] في كل شيء. حتى يكفر خطايا الشعب" (عب ۲ : ۱۷ -۱۸)
مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي » (عب ۲۲ :۱۰)
في هذا كله الكفارة هدّية حب لنا لتطهرنا من موت الخطية. وليس الله أي منفعة أو استرضاء، ولا عقوبة تتم لمصلحة الله أبدا، لتوفي عدالته حقاً ضائعاً، كما علم الغربيون وفسروا بحسب ظلمة فكر الإنسان المتعطش للدماء، والذي لا يعرف الحب والمغفرة المجانية والعطية المحيية.
لذلك حوّل الإنسان معنى الهدية المهداة من الله، للإنسان إلى ثمن موت لاتقاء سادية الله، مقدم من الإنسان الله!!
المراجع:
هـانى ميـنا ميخائـيل، العدالة الإلهية - حياة لا موت.. مغفرة لا عقوبة، الطبعة الأولى، ٢٠٠٩.