«وَلاَ تَخَافُوا مِنَ ٱلَّذِينَ يَقْتُلُونَ ٱلْجَسَدَ وَلٰكِنَّ ٱلنَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِٱلْحَرِيِّ مِنَ ٱلَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ ٱلنَّفْسَ وَٱلْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ» (متّى 10: 28)
من الأشياء شديدة الرهبة هو انعدام الرجاء بالخلاص من جهنم. لأن الكتاب المقدس يجزم تماماً بأن عذاب جهنّم لا يتوقف إلى الأبد. والنصوص الكتابية، التي تؤيد ذلك عديدة منها:
قول إشعياء عن وقائد أبدية (إشعياء 33: 14)، وعن نار لا تطفأ (إشعياء 66: 24).
قول دانيال عن العار في الازدراء الأبدي (دانيال 12: 2)
قول يوحنا والمسيح عن النار التي لا تطفأ أبداً (متّى 13: 12، مرقس 9: 43).
قول المسيح: «يَمْضِي هٰؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَٱلأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ» (متّى 25: 46).
«وَلٰكِنْ مَنْ جَدَّفَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ فَلَيْسَ لَهُ مَغْفِرَةٌ إِلَى ٱلأَبَدِ، بَلْ هُوَ مُسْتَوْجِبٌ دَيْنُونَةً أَبَدِيَّةً» .(مرقس 3: 29) «مَنْ قَالَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لاَ فِي هٰذَا ٱلْعَالَمِ وَلاَ فِي ٱلآتِي» (متّى 12: 32).
تدلنا القرائن على أن الخطية ضد الروح القدس، هي التصدي المصمم على عمله بالتبكيت على الخطية والحض على تجديد الحياة بقبول يسوع المسيح مخلصاً.
ويقيناً أننا حين نتأمّل بعمق فيما كتب في الأسفار المقدّسة عن الروح القدس، ندرك أن عمله يتناول الإنسان بأنه خاطئ، وبأن المسيح هو المخلّص. فإذا رفض الإنسان هذه الحقيقة، يكون قد ارتكب الخطية التي لا تغفر. فالذاهبون إلى العذاب إذن، هم الذين رفضوا المخلّص على وفق قوله: «اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَٱلَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ ٱلْوَحِيدِ» (يوحنا 3: 18).
أن الدينونة الأبدية، هي من الأشياء الأكثر بداهة وحقاً. فقد قال الرسول: «لِذٰلِكَ وَنَحْنُ تَارِكُونَ كَلاَمَ بَدَاءَةِ ٱلْمَسِيحِ لِنَتَقَدَّمْ إِلَى ٱلْكَمَالِ، غَيْرَ وَاضِعِينَ أَيْضاً أَسَاسَ ٱلتَّوْبَةِ مِنَ ٱلأَعْمَالِ ٱلْمَيِّتَةِ، وَٱلإِيمَانِ بِٱللّٰهِ، تَعْلِيمَ ٱلْمَعْمُودِيَّاتِ، وَوَضْعَ ٱلأَيَادِي، قِيَامَةَ ٱلأَمْوَاتِ، وَٱلدَّيْنُونَةَ ٱلأَبَدِيَّةَ» (عبرانيين 6: 1 و2).
نقرأ في رسالة يهوذا: «إِنَّ ٱلرَّبَّ بَعْدَمَا خَلَّصَ ٱلشَّعْبَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، أَهْلَكَ أَيْضاً ٱلَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا. وَٱلْمَلاَئِكَةُ ٱلَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ ٱلْيَوْمِ ٱلْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ ٱلظَّلاَمِ. كَمَا أَنَّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَٱلْمُدُنَ ٱلَّتِي حَوْلَهُمَا، إِذْ زَنَتْ عَلَى طَرِيقٍ مِثْلِهِمَا وَمَضَتْ وَرَاءَ جَسَدٍ آخَرَ، جُعِلَتْ عِبْرَةً مُكَابِدَةً عِقَابَ نَارٍ أَبَدِيَّةٍ... هٰؤُلاَءِ... نُجُومٌ تَائِهَةٌ مَحْفُوظٌ لَهَا قَتَامُ ٱلظَّلاَمِ إِلَى ٱلأَبَدِ» (يهوذا 5 - 13).
ونقرأ في سفر الرؤيا: «وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ... . وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَاراً وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (رؤيا 14: 11، 19: 3، 20: 10).
إن من يقرأ هذه الفقرات، لا بد أن يستخرج المؤثرات الفاجعة، التي تؤكد أن عذاب جهنّم ليس له نهاية. بيد أن هذه الفكرة مهما كانت مرعبة بالنسبة للنفس البشرية، فقد لاقت معارضات كثيرة، كان هدفها زعزعة هذا اليقين.
هل يتلاشى المعذبون
يحاول بعض اللاهوتيين العصريين التصدّي للاعتقاد بالعذاب الأبدي بقصد التمويه. ويحاولون إيجاد حجّة في قول إن الله وحده له عدم الموت (1تيموثاوس 6: 16). ولكن هذا الآية لا تحمل أي نفي للعذاب الأبدي. وليس في كلماتها ما يبطل قول الإنجيل: «ٱلَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِٱلٱبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ ٱللّٰهِ» (يوحنا 3: 36).
ويقول هؤلاء اللاهوتيون، إن الاعتقاد بخلود النفس لا جذور له في الكتاب المقدس، وإنما اقتبسها المسيحيون من الوثنية، وقد أخذوها من أفلاطون. لأن الكتاب العزيز يقول: «اَلنَّفْسُ ٱلَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ» (حزقيال 18: 4). ومعنى هذا أن نفس الخاطي ستتلاشى في العالم الآخر، كما تفسخ جسده في هذه الدنيا. ولكن الكتاب المقدس في مفهومه الصحيح، يدحض كل واحدة من هذه الحجج.
كل مؤمن يقرّ بأن الله وحده له الحياة الحقيقية، وأنه لا يعطي هذه الحياة إلا للمؤمنين. لأن الحياة الأبدية هي في أن يعرف المؤمن الآب والابن (يوحنا 17: 3). وهذا يعني أن عدم معرفة الله هو الغطس في الموت الروحي. ولكن الأشرار يصابون أيضاً بالموت الثاني، الذي هو الهلاك وليس الفناء. وهم كما تقدم يعذبون إلى أبد الآبدين.
من المسلّم به أن فكرة خلود النفس عالمية وموجودة في كل الديانات. ولكن الكتاب المقدس، أول من علم أنه بالقيامة تتابع الشخصية البشرية وجودها في العالم الآخر جسداً ونفساً. يؤكد الكتاب أيضاً أن القيامة ستحدث للأشرار كما للأبرار (يوحنا 5: 29 دانيال 13: 2).
حين يتكلم الكتاب عن تدمير وهلاك وخراب الأشرار، يجب أن يفهم المعنى الحقيقي لهذه التعابير: فسفر الرؤيا يتكلم عن هلاك «ٱلَّذِينَ كَانُوا يُهْلِكُونَ ٱلأَرْضَ» (رؤيا 11: 18). وواضح أن الأشرار لا يفنون الأرض بل يهلكونها إذ ينشرون الشقاء فيها. وهذا ما سيفعله الرب بهم عقاباً لهم.
ويعبّر بولس عن الحكم عليهم بالقول، إنهم سينالون عذاباً هو الهلاك الأبدي، بعيداً عن وجه الرب (2 تسالونيكي 1: 9) والكلمة «هلاك» كما وردت في لغة العهد الجديد الأصلية لا تعني الفناء. (انظر كورنثوس الأولى 5: 5، تسالونيكي الأولى 5: 3، تيموثاوس الأولى 6: 9). وتفيد القرائن أن حال الشقاء هذه تبقى إلى الأبد. وأيضاً هلاك الجسد المذكور في كورنثوس الأولى 5: 5 لا يحول مطلقاً دون قيامة أجساد الأشرار والأبرار.
ومما يجب ذكره في هذا الصدد، هو التعبير الوارد في قول المسيح: «وَلاَ تَخَافُوا مِنَ ٱلَّذِينَ يَقْتُلُونَ ٱلْجَسَدَ وَلٰكِنَّ ٱلنَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِٱلْحَرِيِّ مِنَ ٱلَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ ٱلنَّفْسَ وَٱلْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ» (متّى 10: 28). فالكلمة يهلك في لغة العهد الجديد الأصلية هي الكلمة عينها التي قيلت عن خراف بيت إسرائيل الضالة (متّى 10: 6)، وعن الخروف الضال (لوقا 15: 6)، وعن الدرهم الضائع (لوقا 15: 9)، وعن الابن الضال (لوقا 15: 24). والمسيح نفسه، حين حدد طبيعة رسالته قال: «لأَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ» (متّى 18: 11).
ويخبرنا المسيح أن الابن الضال فيما كان بعيداً عن أبيه، كان هالكاً وشقياً وبائساً. هكذا سيكون الأمر بالنسبة للخطاة في جهنّم.
بسبب عدم مطالعة الأسفار المقدسة، اختلف أصحاب هذه العقيدة حول وقت الملاشاة. فبعضهم يقول إن الأشرار يصيرون إلى العالم حالما يغادرون هذه الدنيا.
وهذا كل ما يشتهيه الكفرة الملحدون الذين شعارهم: لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت. ولكن قصة لعازر والغني الرديء تضع حداً لتخرصاتهم (لوقا 16: 19 - 31). أما البعض الآخر فيزعم أن الملاشاة، تحدث عند الدينونة الأخيرة حالما يطرح الأشرار في بحيرة النار والكبريت.
والواقع أنه ليس من العدل في شيء أن يبقى قايين آلاف السنين في مكان العذاب منتظراً الدينونة الأخيرة، بينما الأحياء المتمردون في نهاية الحكم الألفي والشيطان نفسه يتلاشون حالما يطرحون في جهنّم.
المراجع:
أسكندر جديد، جهنّم في كتب المسيحية والإسلام، الطبعة الاولي، 2010.