إن الذين اعترضوا على اعتقاد فاسد في ماهية الحرية وشروطها غير مقدرين عمل العقل الذي يعرف ويدرك بواسطة الحس قيمة الأشياء
كلا، أن الله «قضى بكل ما يحدث قضاء اختيارياً لا يتغير، إلا أنه لم يصر الله بذلك منشئ الخطية ولم تغتصب إرادة خلائقه، ولم تنزع حرية الأسباب الثانوية، ولا إمكان حدوثها. بل بالحري تثبت» (والحق أنه يضاد العقل السليم أن الله قضى بالويل على أحد لأجل عمل قام به وهو غير مخير فيه. لأن ذلك لا يليق بعدله تعالى.
ولما كان الله قد قضى أن تكون أعمال البشر اختيارية، أي تنشأ عن إرادتهم الحرة، كان قضاؤه، يثبت حرية الإرادة، ويؤكد أن المخلوقات العاقلة حرة ومختارة.
صحيح أن أعمال ربنا يسوع المسيح، كان مؤكداً قبل مجيئه أنها تكون مقدسة وطاهرة، ومع ذلك كان مختاراً في عملها. وأنه لبديهي أن التائبين يؤمنون ويثبتون في القداسة، ومع ذلك لا يزالون ذوي اختيار في أعمالهم. إذاً لا منافاة بين قضاء الله واختيار الإنسان. وبعبارة أخرى، إن كان قضاء الله يعم كل الأمور، إلا أنه لا يجبر خلائقه ولا ينزع اختيارهم البتة.
إن الذين اعترضوا على اعتقاد فاسد في ماهية الحرية وشروطها غير مقدرين عمل العقل الذي يعرف ويدرك بواسطة الحس قيمة الأشياء ويشعر برغبة في أمر ما، لأنه يراه حسناً ولذيذاً. أو يأنفه لأنه يراه قبيحاً مؤلماً. وبواسطة الضمير يحكم الإنسان بالوجوب، أو بالجواز، أو بالمنع، ولكنه يختار بالإرادة وحدها.
ومما لا ريب فيه أن الإرادة هي القوة التي بها يعمل الإنسان بموجب أحكام عقله وأشواق قلبه وحث ضميره. وهي في ذات الوقت خادمة مع القوى الأخرى، لإتمام مقاصد الإنسان و أمياله. غير أن هذه الخدمة اختيارية، قد تختار الخير وقد تختار الشر.
مما تقدم يمكننا القول أن الإنسان فاعل مختار، لأنه قادر على إنشاء الأفعال بنفسه. صحيح أنه في أحيان يضطر إلى عمل ما لا يرغب فيه، لخوف أو لحيرة. إلا أنه يستطيع الرفض. وهناك حقيقة جديرة بالملاحظة، وهي أن الله وهب الإنسان عقلاً، لأجل البحث في المسائل وإدراك حقائقها. وأعطاه ضميراً لينظر إلى الأمور الأدبية، ويميز بين الخير والشر. وذلك لتكون رغائبه موافقة للعقل ومن باب الصواب.
وخلاصة القول أن الإنسان يقدم على أعماله بدون حاجز أو معارض من خارج يجبره بخلاف ما يريد. صحيح أن الإنسان بعد السقوط صار نزاعاً إلى عمل الشر، ولكنه لم يفقد الميل إلى الصلاح. ويمكنه بقبول ما أعده الله له من وسائل النعمة المخلصة، أن يتحرر من نزعة الشر. ولكنه مع ذلك، يبقى ذلك الكائن الحر يعمل بحسب أمياله الغالبة.
المراجع:
اسكندر جديد، الحقيقة تلاشي الشكوك، الطبعة الأولى، 2006.