"في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس
قبل الإجابة على هذا السؤال لابد من الإشارة إلى أن السيد المسيح لم يكن مجرد نبي عادي كبقية الأنبياء، بل كان القدوس الذي وعد الله بإرساله منذ القدم لخلاص الجنس البشري من لعنة الخطية. إنه "الكلمة المتجسد" أي "الكلمة" الذي صار جسدًا وحل بيننا، والذي تنبأ عن مجيئه أنبياء العهد القديم قبل أن يولد من عذراء بحوالي سبعمائة سنة. حُبل به بطريقة عجائبية من روح الله القدوس بدون زرع بشري، وولد من عذراء طاهرة نقية.
وهو بحسب تعاليم الإنجيل المقدس الإله المتجسد، المعلم، النبي والكاهن والملك، ملك الملوك ورب الأرباب، المخلص الفادي. وهو الذي تنبأ عنه إشعياء النبي بقوله: "لأنه يولد لنا ولد، ونعطى ابنًا، وتكون الرياسة عل كتفه، ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا، إلهًا قديرًا، أبًا أبديًا رئيس السلام" (إشعياء 9 :6).
وتشير نبوة أخرى على لسان إشعياء النبي أيضًا بأن المسيح سيكون الإله المتجسد، وأنه سيولد من عذراء فيقول: "يعطيكم السيد نفسه آية، ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمع عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا" (إشعياء 7 :14). وقد جاء أيضًا على لسان الملاك جبرائيل عندما بشرها بأنها ستحبل بالمسيح من روح الله وأن المولود الذي ستلده ابن الله ولا يكون لملكه نهاية فقال: "لا تخافي يا مريم، لأنك قد وجدت نعمة عند الله، وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيمًا وابن العلي يدعى. ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية" (لوقا 1 :30-33).
وتابع الملاك قوله لمريم، عندما سألته كيف يكون هذا وهي لم تعرف رجلاً، "الروح القدس (أي روح الله) يحلّ عليك، وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لوقا 1 :35).
وقد جاء عن المسيح في بشارة يوحنا بأنه "كلمة الله":
"في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس، والنور يضيء في الظلمة والضلمة لم تدركه.. والكلمة صار جسدًا وحل بيننا، ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقًا" (يوحنا 1:1-5 و14). وعلى هذا الأساس ندرك أن السيد المسيح لم يكن مجرد نبي عادي، بل الإله المتجسد، الكلمة الذي صار جسدًا وحل بيننا. إنه ابن الله. بمعنى أنه المولود من روح الله وليس بالتناسل الجسدي، (أتحفظ على هذه الجملة، لأن "ابن الله"، بحسب فهمي، هي مكانة المسيح في الجوهر الإلهي وعلاقته بالثالوث، وليس هذا المعنى الذي كتبه الكاتب) وهو مخلص العالم من الخطية. وهناك العديد من المراجع الكتابية والآيات الواردة في الكتاب المقدس التي تؤيد ذلك.
+ هل كان المسيح متعلمًا أم أميًا؟
عندما نطالع سيرة المسيح الواردة على صفحات الإنجيل المقدس نلاحظ أنه يذكر في موضعين فقط بأن المسيح كان يجيد القراءة والكتابة. ولكن الإنجيل المقدس لا يذكر لنا شيئًا بالتفصيل عن مقدار تحصيله العلمي، وإنما يمكن استنتاج ذلك استنتاجًا، لأنه كان يُشار إليه، أي إلى المسيح بكلمة "ربي" التي تعني المعلم.
ففي الحادثة الأولى، يذكر إنجيل لوقا ما يلي: "وجاء يسوع إلى الناصرة حيث كان قد تربى. ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ. فدُفع إليه سفر إشعياء النبي. ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبًا فيه، روح الرب عليّ لأنه مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأشفي منكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة.
ثم طوى السفر وسلمه إلى الخادم وجلس، وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه، فابتدأ يقول لهم إنه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم، وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه.." (لوقا 4 :16-22). فهذه الحادثة تثبت أن المسيح كان يجيد القراءة، وكان يذهب إلى الهيكل ويقرأ الكتاب المقدس.
أما الحادثة الثانية التي تشير إلى أن السيد المسيح كان يجيد الكتابة فقد وردت في بشارة يوحنا وهي تتلخص بأنه عندما ذهب يسوع مرة إلى الهيكل، جاء إليه جموع الشعب فجلس يعلمهم" وقدم إليه الكتبة والفريسيون امرأة أمسكت في زنًا، ولما أقاموها في الوسط قالوا له: يا معلم هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه تُرجم، فماذا تقول أنت؟ قالوا هذا ليجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه.
وأما يسوع فانحنى إلى أسفل. وكان يكتب بإصبعه على الأرض. ولما استمروا يسأولنه انتصب وقال لهم: من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر. ثم انحنى أيضًا إلى أسفل وكان يكتب على الأرض وأما هم فلما سمعوا، وكانت ضمائرهم تبكتهم، خرجوا واحدًا فواحدًا مبتدئين من الشيوخ إلى الآخرين وبقي يسوع وحده والمرأة واقفة في الوسط، فلما انتصب يسوع ولم ينظر أحدًا سوى المرأة قال لها: يا امرأة أين هم أولئك المشتكون عليك، أما دانك أحد؟ فقالت لا أحد يا سيد فقال لها يسوع: ولا أنا أدينك اذهبي ولا تخطئي أيضًا" (يوحنا 8 :3-11). ومن خلال هذه القصة يشار إلى أن السيد المسيح كان يكتب بإصبعه على الأرض ومعنى هذا، أنه كان يجيد الكتابة. ومع أن الكتاب المقدس لا يشير بالتفصيل وبصورة مباشرة إلى مقدار التحصيل العلمي الذي حصل عليه المسيح، إلا أننا ندرك أنه كان يجيد القراءة والكتابة، كما أنه كان مثقفًا يدخل إلى المجامع ويتباحث مع رجال الدين اليهود في أمور الدين والدنيا، ومنها ما ورد في بشارة لوقا (لوقا 2 :39-52).
كما أن الكتاب المقدس يشير إلى أن السيد المسيح كان يعرف الأسفار المقدسة معرفة جيدة، لأنه كان دائمًا يستشهد بما جاء فيها، ولا سيما عندما جاء الشيطان ليجربه طالبًا منه بعد أن صام أربعين نهارًا وأربعين ليلة أن يحوّل الحجارة إلى خبز فقال له يسوع: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (متى 4:4 وتثنية 8 :3). وأيضًا عندما طلب منه أن يرمي نفسه عن جناح الهيكل ليختبر فيما إذا كانت ملائكة الله ستأتي على إليه، فأجابه المسيح: "لا تجرب الرب إلهك" (متى 4 :7 وتثنية 6 :16).
وعندما طلب منه أن يسجد له مقابل أن يعطيه جميع ممالك الأرض وقال له يسوع: "اذهب عني يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد" (متى 4 :10 وتثنية 6 :13 و10 :20 ويشوع 24 :14 و1صموئيل 7 :3).
بالإضافة إلى ما تقدم، نستطيع الاستنتاج بأن المسيح كان متعلمًا وضليعًا في الشريعة اليهودية والأسفار المقدسة. فعندما بدأ خدمته العامة في الثلاثين من عمره، كانت هذه السن هي السن القانونية التي يحق فيها لمعلمي الشريعة بمزاولة مهنتهم كمعلمين. إذ لم يكن يحق لأي منهم أن يمارس التعليم الديني عند اليهود.
أو أن يكون عضوًا في مجلس السنهدريم (مجلس اليهود) قبل سن الثلاثين، وكان يطلق لقب "ربي" أي معلم، على كل معلم عند اليهود، ومن المفروض طبعًا بكل معلم أن يكون متعلمًا. وكان هذا اللقب أي لقب "معلم" أو "ربي" باللغة العبرية يُطلق على المسيح، كما أن البعض كان يلقبه بالسيد والمعلم.
وعندما بدأ المسيح خدمته العامة، جال معلمًا وكارزًا في أماكن مختلفة يعلّم الجموع، بكل قوة وسلطان. وكان كل من يسمع تعليمه ينبهر من بلاغته وفصاحته وتعابيره وحكمته. وليس غريبًا أن نرى أن الجموع الغفيرة تختلف حوله، تسمع تعاليمه، وتؤمن به ربًا وفاديًا ومخلّصًا.