أسقطت الأبيونية فكرة التثليث في الله، لأنها رفضت كل ما يهدد فكرة التوحيد فيه
تعني كلمة "أبيونية"، الفقراء باللغة العبرانية، وقد اختلف الشراح في سبب هذه التسمية. فمنهم من قال: إن أفراد هذه البدعة، دعوا بهذا الإسم، ربما لافتقارهم إلى الذكاء أو الفهم؛ ومنهم من اعتبر ذلك لفقرهم إلى الرجاء والأعمال، أو إلى بساطة الشريعة التي يتبعونها. ولقد أعطي هذا الإسم لعدة فرق مسيحية- متهودة، نجدها خاصة في آسيا، بين القرنين الثاني والثالث.
كان أغلب الأبيونيين مسيحيين، ولكنهم رفضوا الاعتراف بجديد الإنجيل، وظلوا متمسكين بالشريعة اليهودية؛ فبعضهم كان غنوصياً والبعض الآخر كان يرفض ألوهية المسيح: هو ليس مجرد إنسان، بل هو "مصطفى من الله، مدعو ومنتخب من الله"، هو النبي الحقيقي.
ويرفض هؤلاء الأبيونيون أن يكون المسيح، قد ولد من العذراء؛ هو مخلوق مثل رؤساء الملائكة، وهو يملك على الملائكة وعلى الخلائق كلها؛ وهو اتحاد کائن سماوي مع الإنسان يسوع، ليكونا المسيح ابن الله. ويعتقد البعض الآخر أن رسالة المسيح: هي أن يلغي الذبيحة اليهودية وأن ينهي كهنوتها. ورغم كل ذلك، نرى أن كل الأبيونيين، بقوا متجذرين في اليهودية.
أسقطت الأبيونية فكرة التثليث في الله، لأنها رفضت كل ما يهدد فكرة التوحيد فيه. لذا اعتبرت المسيح مجرد إنسان، إختاره الله ليصبح المسيح الذي بشر به الأنبياء والناموس؛ وجرى اصطفاؤه لسلوكه الحسن: فبعد أن عاش مدة ثلاثين سنة، تقرب لينال معمودية يوحنا، حيث تلقی ملء الروح، أكثر من کل شخصيات العهد القديم. ومذ ذاك أصبح المسيح، وبدأ النظام المبشر به في الشريعة والأنبياء. وراح يكرز بالبر الوحيد، أي بر الشريعة. ولم تقبل الأبيونية فكرة الفداء والوساطة، فهي أعطت الصلب والموت وما تبعهما، معنی وقيمة مثالية أو نموذجية فقط: يظهر البار طريق الخلاص، لكنه ليس فاعله.
إندثار الأبيونية
تقلص تأثير الابيونية تدريجياً مع نهاية القرن الأول، حتى كاد أثرهم أن يختفي تماماً بحلول القرن الرابع.
العوامل التي أدت إلى إندثارهم هي:
1- تمسكهم، بتعاليم الشريعة اليهودية الصارمة، وتمسكهم بضرورة أن يلتزم كل مسيحي من غير اليهود بها فإذا أراد شخص من الوثنيين مثلاً، إعتناق المسيحية، عليه أولاً أن يختتن مثل اليهود، وأن يلتزم بقوانين شريعتهم، مما تسبب في عزوف الراغبين في اعتناق المسيحية عن الانضمام لهذه الطائفة، وبحثهم عن التعاليم الصحيحة للمسيحية ، حيث يكفي الشخص الراغب باعتناق المسيحية، أن يقبل المسيح مخلصاً.
2- تقوقعهم الجغرافي في منطقة فلسطين وما جاورها، مع محدودية دعوتهم وانحصارها على الناطقين بالعبرية (اليهود).
3- ثورة اليهود ضد الرومان في عام 70 ميلادية وما تبعها من مجازر بشعة طالت اليهود، وتسببت بقتل حوالي مليون إنسان، وأسر مئات الألاف واستعبادهم، وهروب الذين تبقوا من اليهود وتشتتهم في البلدان بعد فشل ثورتهم وخراب هيكلهم مما تسبب في فناء أغلب الأبيونيين، وأما من هرب منهم خارج فلسطين، فقد بقي يعيش في ظروف إقتصادية بائسة جداً بسبب الهجرة والتشتت، مما أدى إلى اضمحلال هذه الدعوة تدريجياً، حتى اختفت بشكل شبه تام لاحقاً.
المراجع:
المجمع المسكوني الأول، نيقية الأول (325)، الأب ميشال ابرص، الأب انطوان عراب،المكتبة البولسية، 1997