دع الله يختار لك الفتاة. انتظره أكثر مما تنتظر الفتاة، وعندئذ ثق بأنك سوف تجدها في انتظارك.
قال الحكيم: «ثَلاثَةٌ عَجِيبَةٌ فَوْقِي وَأَرْبَعَةٌ لا أَعْرِفُهَا: طَرِيقَ نَسْرٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، وَطَرِيقَ حَيَّةٍ عَلَى صَخْرٍ، وَطَرِيقَ سَفِينَةٍ فِي قَلْبِ ٱلْبَحْرِ، وَطَرِيقَ رَجُلٍ بِفَتَاة» (أم ٣٠: ١٨ و١٩). وسواء كان قد أحب ثم فقد حبيبته، أو تودد إلى فتاة ثم كسب محبتها، فقد كان هو نفسه أيضاً واثقاً من هذا أن «مَنْ يَجِدُ زَوْجَةً يَجِدُ خَيْراً» (أم ١٨: ٢٢).
يقول حكيم معاصر: «هنالك أربعة أحداث ضرورية جداً في حياة كل إنسان: الولادة، والموت، وتجديد الحياة، والزواج». والزواج يبدأ بلقاء، ويتوَّج في الكنيسة، ويستمر في بيت الزوجية، ويُختم في القبر.
وإذ يبدأ الزواج بلقاء فإن اللقاء يعقبه تودد الفتى بالفتاة، والفتاة بالفتى. وهذان إن لم يكن المسيح في قلبيهما وقت التودد فلا يمكن أن يبقى التودد في بيتهما بعد الزواج.
وفترة الخطوبة لازمة كمقدمة للزواج. ومتى كانت هذه الفترة طاهرة كانت الحياة الزوجية طاهرة ومضمونة البقاء. وإذا عرف الفتى والفتاة أن يصليا معاً في هذه الفترة أمكن أن يعيشا معاً بعد الزواج بلا تفرقة إلى نهاية الحياة.
إن الزواج مقدس. والرب يسوع المسيح وحده هو الذي يقدسه. إن فخامة مبنى الكنيسة، وجمال تنظيم حفلة مراسيم الزواج وروعة الزهور والموسيقى - هذه كلها لا تجعل الزواج مسيحياً بدون المسيح. وإن لم يتحد الزوجان في المسيح فإن زواجهما لا يمكن أن يُدعى زواجاً مسيحياً. وإن لم تتوفر المحبة بينهما فلا يمكن أن يتمتعا بحياة زوجية سعيدة. لكي تتوفر المحبة بينهما ينبغي أن تتوفر المحبة للمسيح في قلب كل منهما.
إن كان كل من الزوجين قد سلم نفسه للمسيح فإن محبتهما المشتركة للمسيح تصبح ناموس محبة الواحد للآخر. ليس الطريق للحياة الزوجية السعيدة هو غض النظر عن الناموس، ولا هو فقط طاعة الناموس، لكنه هو فقط تسليم الحياة كلها للمسيح. ومعنى الاشتراك مع المسيح في صليبه هو الموت عن الخطية.
إن كان المسيح في قلبك يكون في بيتك. والحياة العائلية يمكن أن تستغني عن أشياء كثيرة، لكنها لن تستغني أبداً عن المسيح.
ويجب أن يبدأ الزواج بالمحبة. وقليلون هم الذين لا يؤمنون بأن «لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَقْتٌ» بما في ذلك وقت للمحبة (جا ٣: ١). لكن سيء الأخلاق وحده هو الذي يدنس معنى المحبة التي قصدها الله أن تكون مقدسة.
يعتقد الكثيرون من الشبان أن الكتاب المقدس صادق حينما يقول: «مَنْ يَجِدُ زَوْجَةً يَجِدُ خَيْراً» (أم ١٨: ٢٢). ولكنهم كثيراً ما يرفضون القول: «ٱلزَّوْجَةُ ٱلْمُتَعَقِّلَةُ فَمِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ» (أم ١٩: ١٤). هل هذه الكلمات التي قيلت في القرن العاشر قبل الميلاد تبدو غريبة في آذان من يعيشون في القرن العشرين بعد الميلاد ؟ هل نؤمن بأن: «كُلَّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلَّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي ٱلأَنْوَارِ» (يع ١: ١٧)؟ وهل نقف ونرنم قائلين: سبحوا الله الذي منه تتدفق كل البركات؟. إذن، ولماذا لا تأتي منه بركة الزوجة؟
كان سليمان وشمشون عظيمين في القوة والاقتدار، لكنهما كانا تعيسين في الزواج. كان سليمان يعطى المشورة الصالحة، لكنه لم يتبعها. وشمشون قهر الآلاف بالايمان، لكنه تزوج بالعيان (٢ كو ٥: ٧). لقد نظر كل منهما إلى جمال الوجه، وأُعجب بالفتاة التي رآها. لكنهما لم يباليا إن كانت الفتاتان ترضيان الله. وبعد ذلك أدرك كل منهما أنه أخطأ الاختيار، وتمنى لو لم يكن قد تزوج بالفتاة التي أعجب بها.
خير للشاب أن يبقى بدون زواج إلى أن يجد الزوجة الفاضلة. لكن ليس المهم أن يجدها بل كيف وأين يجدها. أو ليس الكثيرون من الشبان الأبطال في الإيمان يستشيرون الله في كل شيء ما عدا فتاته التي يريد الاقتران بها؟ ولا شك في أن عند الله امرأة فاضلة لكل شاب فاضل، إن لم يتباعد عن الله.
صحيح إن ثمنها يفوق اللآلئ كثيراً جداً جداً. لكنكم أيها الشبان لستم مطالبين بدفع ثمنها. صحيح أن إجراءات الزواج تكلف، لكن الفتاة نفسها لا تكلف. فهي تأتي من الله مثل كل عطية صالحة وكل موهبة تامة. لقد أخذ آدم زوجته من الرب، ولم يتطلب الأمر أن يتجول هنا وهناك للبحث عنها، لكن الرب أحضرها إلى آدم (تك ٢: ١٩). فلماذا لا تحصل على زوجتك من نفس المصدر؟
لا يمكن قط أن تنشأ المحبة المسيحية من النظرة الأولى. لكنها تأتي بعد صلوات كثيرة. والشاب المكرس لله يترك اختيار الزوجة لله. وطوبى للشاب الذي يدرك أن اختياره هو الاختيار الصحيح، لأنه ترك الاختيار لله.
أيها الشاب، عندما تبدأ تتعرف بالشابة فإنك لن تعرف إلى أين ينتهي بك المطاف. لكن تأكد أن الطريقة الوحيدة لكي تكون النهاية طيبة هي أن تكون البداية طيبة. فالأساس يجب أن يوضع قبل تشييد البيت. ثم اعلم أن أساس الله الراسخ هو الوحيد الذي يثبت (٢ تي ٢: ١٩)، سواء كان ذلك في الزواج أو في أي أمر آخر. إن أردت أن يكون لك بيت مسيحي فيما بعد فيجب أن تتخذ المسيح في رفقتك الآن وقت الخطبة. وبيتك العتيد يمكن أن يكون مؤسساً على المسيح إن كانت فرصة خطبتك الآن مؤسسة على المسيح. يجب أن تضع مُثلك العليا الآن.
أيها الشاب، قبل أن تتساءل عما إذا كانت فتاتك جميلة أم لا أسأل أولاً: هل هي ابنة الله؟ إن كانت الفتاة غير مسيحية الآن صار بيتك فيما بعد يعرج بين المسيح والعالم، ولا يمكن أن يتمجد المسيح فيه. وإن كانت أمينة للمسيح صارت أمينة لك فيما بعد. إن كانت تحب الرب من كل قلبها الآن فثق بأنها سوف تحبك من كل قلبها. إن كانت تحتفظ بالولاء للمسيح الآن فسوف تحتفظ بالولاء لك ولأولادك. إن كانت تعنى بكنيستها الآن فسوف تعنى ببيتها. إن كنت تقدر أن تصلي معها الآن فإنك تقدر أن تبني المذبح العائلي فيما بعد. وأنت تفعل خيراً إن تذكرت أيضاً أن الفتاة في بعض الأحيان يمكن أن تكون جذابة بسبب صفاتها الخفية كما بسبب صفاتها الظاهرة، بسبب ما تفعله كما بسبب ما لا تفعله، بسبب المكان الذي تذهب إليه كما بسبب المكان الذي تمتنع عن الذهاب إليه.
بالإيجاز أيها الشاب، دع الله يختار لك الفتاة. انتظره أكثر مما تنتظر الفتاة، وعندئذ ثق بأنك سوف تجدها في انتظارك. لا تكن عنيفاً في مناقشاتك معها، وإلا خسرت موقفك في معترك الحياة. دع المسيح يكن رفيقاً لك في مناقشاتك ومشاوراتك. كرس له فترة الخطوبة اليوم، وعندئذ لا تندم في زواجك غداً. هو وحده الذي يجعل طريق الرجل مع الفتاة أميناً ومقدساً. لقد خلقت المرأة لمجد الرجل، لكن الرجل - كما يقول البعض - يعيش من أجل مجد المرأة.
والواقع أن الله من البدء خلقهما ذكراً وأنثى (تك ١: ٢٧ ، مت ١٩: ٤). ومنذ ذلك الوقت تمر فترة في حياة الشاب أو الشابة حيث يقضي كل منهما وقتاً طويلاً في البحث عن شريكة أو شريك الحياة. أما الشبان المسيحيون والشابات المسيحيات فإن الأمر معهم يختلف كثيراً. لقد اتخذوا المسيح رباً ومخلّصاً، واعتمدوا عليه في كل شؤون حياتهم، وأصبح طريقهم هو طريقه، وإرادته أصبحت إرادتهم. ولذلك فإن الفترة التي قبل الزواج لا تُقضى في المداعبة أو المغازلة، بل في الصلاة. وأصبح خيال الشبان والشابات الذين يبحثون عن شريك الحياة منحصراً بالبحث عن إرادة الله وإرشاده بهذا الأمر.
فالفتاة المسيحية لا تبحث عن مجرد شاب، بل عن شاب مرسل من الله، عرف المخلّص وصار مستعداً أن يتبعه ويتَّخذه له رباً. لأنها لا تقدر أن تكون لها شركة مع شاب ليست له شركة مع ربها. وهي أيضاً لا تريد أن تخضع لشاب ليس خاضعاً للمسيح. هي تحبه، وهو يحبها، والاثنان يحبان المسيح.
والفتاة المسيحية لا تتطلع إلى المظهر الخارجي، بل إلى القلب لأنها تدرك «أَنَّهُ كَمَا شَعَرَ فِي نَفْسِهِ هٰكَذَا هُوَ» (أم ٢٣: ٧). مهما بدا في نظرها جميلاً فهي تريد أن تعرف نظرة الله إليه. هي لا تريد أن تنظر إلى صورة التقوى التي يبدو فيها، بل إلى قوة التقوى في داخله. لا يكفيها أن تراه يقول: يا رب! يا رب! بل أن يعرفه معرفة عملية. هي تريد أن يكون مسيحياً حقاً في أخلاقه وسلوكه لأن قلبه مسلَّم للمسيح. هي تحب الشاب الذي يحب زوجته «كَمَا أَحَبَّ ٱلْمَسِيحُ أَيْضاً ٱلْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا» (أف ٥: ٢٥) هي تريده أن تكون محبته عملية نحو من يحبهم.
وتدرك الفتاة المسيحية أن بيتها العتيد لا يمكن أن يكرم الله إلا إذا كان زوجها في صلة كاملة مع الله؟ وهكذا يقدر أن يصلي، ويحب بيت الله. وهي تدرك أيضاً أن سعادة الحياة العائلية لا تأتي مصادفة بل بتكريس حياة الزوج والزوجة للرب يسوع المسيح تكريساً كاملاً. وهكذا يصبح طريقهما من البداية هو طريق الله، ويبدآن بناء بيتهما بالقرب من السماء بتوجيهه منذ البداية نحو بيت الله.
المراجع:
القس. جون نور، الزواج في المسيحية، الطبعة الأولى، ١٩٩٨