الله روحاً مجرداً، لا يجوز أن يمثل باليد ولا بالفكر. وأن نكرمه بعبادة روحية تليق به.
وصايا الله العشر قانون تام لواجبات الإنسان، إذا فسرت تفسيراً روحياً يطلق على كل مقاصد الله فيها. على أن تفسيرها باعتبار ما يوجب بها على الإنسان ظاهراً أو باطناً، يعد أساساً واسعاً للواجبات الأخلاقية، فتعم كل ما هو جوهري في حياة التقوى.
١ - الوصية الأولى «أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ ٱلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ. لا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي» (خروج ٢٠: ٢ و٣).
هذه الوصية تأمر بوجوب الاعتقاد بوجود الله. وأنه الإله الواحد الحقيقي. وبإكرامه كما يجب، وبقبول إعلاناته بكل تواضع والاتكال على وعوده، والتسليم لإرادته، وأن ننظر إليه بروح العبادة الحقيقية، بالمحبة والخشية والإكرام والشكر. وأن نشعر بحضوره وجلاله وصلاحه وعنايته، وبافتقارنا إليه ووجوب إطاعته. وهذه الوصية تحسب بهذا المعنى في المقام الأول بين الوصايا، وفقاً لقول الرب يسوع: «تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هٰذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلأُولَى وَٱلْعُظْمَى» (متى ٢٢: ٣٧ و٣٨).
وهي تنهي عن الشرك والعبادة الصنمية وتقديم العبادة التي يستحقها الله وحده للمخلوق، أو إظهار روح العبادة لمخلوق عاقل أو غير عاقل. لأن ذلك محرم قطعاً في هذه الوصية.
٢ - الوصية الثانية «لا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلا صُورَةً مَا مِمَّا فِي ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي ٱلأرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي ٱلْمَاءِ مِنْ تَحْتِ ٱلأرْضِ. لا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلا تَعْبُدْهُنَّ، لإَنِّي أَنَا ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ إِلٰهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ ٱلآبَاءِ فِي ٱلأبْنَاءِ فِي ٱلْجِيلِ ٱلثَّالِثِ وَٱلرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ وَأَصْنَعُ إِحْسَاناً إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ» (خروج ٢٠: ٤-٦).
هذه الوصية تأمر باعتبار الله روحاً مجرداً، لا يجوز أن يمثل باليد ولا بالفكر. وأن نكرمه بعبادة روحية تليق به. وأن نقيم عبادته بالطريقة التي عينها، برفض كل الاختراعات البشرية.
والوصية تنهي على الإطلاق عن استعمال الرسوم والتماثيل والصور. ويدخل تحت هذا أيضاً عبادة الذخائر أو غيرها من المواد التي تُحسب مقدسة.
٣ - الوصية الثالثة «لا تَنْطِقْ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ بَاطِلاً، لإَنَّ ٱلرَّبَّ لا يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِٱسْمِهِ بَاطِلاً» (خروج ٢٠: ٧).
هذه الوصية تأمر بغاية الوقار والورع في استعمال اسم الرب لفظاً وكتابة وفكراً بالإكرام القلبي لإعلاناته وفرائضه. وبالتقوى في تقديم الصلاة أو استعمال الأقسام والنذور، لئلا نهينه بتدنيس ما يختص به.
والوصية تنهي عن النطق باسم من الأسماء الإلهية بعدم الوقار. ولا سيما التجديف. وعن الإشارة إلى فرائضه وأعماله بشيء من الإهانة. وعن التظاهر بالتقوى على سبيل الرياء. وعن الأقسام الباطلة. وعن تقديم التضرعات إليه بلا انتباه، على سبيل العادة بدون إكرام قلبي. وعن كل ما فيه عدم احترام لاسمه العظيم. وفي الإجمال إنها تنهي عن كل ما يشير إلى عدم الخشية والهيبة اللائقة بجلال الله غير المحدود في كماله.
٤ - الوصية الرابعة «اُذْكُرْ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ. سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ، وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ. لا تَصْنَعْ عَمَلاً مَا أَنْتَ وَٱبْنُكَ وَٱبْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ ٱلَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ - لإَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلسَّمَاءَ وَٱلأرْضَ وَٱلْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَٱسْتَرَاحَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ. لِذٰلِكَ بَارَكَ ٱلرَّبُّ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَقَدَّسَهُ» (خروج ٢٠: ٨-١١).
من المسلّم به أن هذه الوصية أُعطيت في الأصل في الفردوس. وهي فرض عام على البشر بمعنى أن الله أفرز بها سُبْعَ الوقت لنفسه لغاية روحية مختصة بعبادته بواجباتنا الدينية، ولم تزل هذه الوصية في العهد الجديد واجبة على الناس. إلا أنه قد عين يوم الأحد لتلك الغاية، عوضاً عن السبت. وقد تحرر المسيحي من المتعلقات الحرفية الوقتية المختصة باليهود وعبادتهم في زمن العهد القديم. ولكن وجب اعتبار الأحد في العهد الجديد يوماً مفرزاً لعبادة الله وخدمته، فهو لم يزل ملزماً في قوته.
وبيِّنٌ أن ما تأمر به هذه الوصية هو حفظ يوم الرب وتخصيصه لغايته الخاصة، أي إفرازه لعبادة الله الجمهورية والانفرادية، والاقتراب إليه بالصلاة، ومطالعة كتابه والتأمل في حقه والقيام بأعمال الرحمة.
٥ - الوصية الخامسة «أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِتَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى ٱلأرْضِ ٱلَّتِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ» (خروج٢٠: ١٢).
هذه الوصية تبين واجب الأولاد نحو والديهم، وتخصيص الوصية بهذه الواجبات ناتج عن أنَّ حكم الوالد كان عظيم الشأن في العصور القديمة، وفي العهد القديم نصوص كثيرة تثبت هذه الوصية: خروج ٢١: ١٧، تثنية ٥: ١٦، ٢٧: ١٦، وكذلك في العهد الجديد توجد نصوص بهذا المعنى. ويسوع نفسه كان خاضعاً لوالديه (إنجيل لوقا ٢: ٥١) وقد أمر الرسول بولس الأولاد أن يطيعوا والديهم في الرب (أفسس ٦: ١) وأن يطيعوهم في كل شيء لأن هذا مرضي في الرب (كولوسي ٣: ٢٠) والمراد بقوله أن يطيعوا والديهم في الرب، أن هذه الطاعة فرض ديني وقسم من الطاعة لله.
٦ - الوصية السادسة «لا تَقْتُلْ» (خروج ٢٠: ١٣).
لقد فسر المسيح هذه الوصية بأنها تنهي عن البغض والمعاداة والخبث على كل أنواعه (متى ٥: ٢١ و٢٢) بمعنى أن الوصية تنهي عن القتل وعن كل الانفعالات التي تحمل على الأضرار في كل درجاته وأنواعه. ويدخل في هذه الوصية الانتحار، الذي هو ذنب عظيم لأن حياتنا ليست لنا، ولا حق لنا في إعدامها. وكذلك يندرج في نهيها عن المبارزة للقتل.
٧ - الوصية السابعة «لا تَزْنِ» (خروج ٢٠: ١٤).
في هذه الوصية ينهانا الرب عن كل أنواع الفجور والفحشاء والنجاسة. لأن السيد الرب قرن الرجل والمرأة بشرعية الزواج الوحيد. وبما أن هذا القران مختوم بسلطانه فقد قدسه ببركته. وتبعاً لذلك، صار كل قران خارج الزواج ملعوناً. وقد قال الرسول «لِيَكُنِ ٱلزَّوَاجُ مُكَرَّماً عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَٱلْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ. وَأَمَّا ٱلْعَاهِرُونَ وَٱلزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ ٱللّٰهُ» (عبرانيين ١٣: ٤).
والوصية الكريمة تنهي عن الزنا والفحش الطبيعي وغير الطبيعي على جميع أنواعه. وحين فسرها المسيح قال: إنها تنهى عن الشهوة التي إذا حبلت تلد خطية (إنجيل متى ٥: ٢٧-٣٠).
٨ - الوصية الثامنة «لا تَسْرِقْ» (خروج ٢٠: ١٥).
في هذه الوصية ينهانا الرب عن الاستيلاء على مال الغير. لأنه له المجد يريد أن يبعد شعبه عن كل ما له علاقة بالسلب والنهب، وعن كل أنواع الغش والخداع. وأن نحفظ أنفسنا في الطهارة والقداسة، وهذه الوصية هي في الحق عماد المحافظة على حقوق الجميع. وأنواع التعدي على هذه الوصية كثيرة منها:
جميع أنواع المخادعات في المعاملات، مثل وصف شيء معروض للبيع أو للمقايضة بأنه غير ما هو في الواقع، وشر ما في هذا الباب هو بيع شيء على كونه سليماً صحيحاً وهو سقيم أو مزور.
الاحتيال على إنسان بناء على جهله أو احتياجه الملحّ.
سلب أملاك الناس بالقوة، أو باستغلال جهلهم.
٩ - الوصية التاسعة «لا تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ» (خروج ٢٠: ١٦).
تتضمن هذه الوصية النهي عن كل ما يخالف تكليف الناس بالصدق. وشر ما في هذا الباب هو شهادة الزور على القريب في مجلس الحكم وهي تتضمن ذنب الخبث والكذب والاستهزاء بالله. ولذلك كان مرتكب هذا الشر مكروهاً عدلاً ومستحقاً الطرد من ألفة الجمهور. أما أنواع الخطأ التي تحرمها الوصية التاسعة فاثنان: الأول هو البهتان على كل أنواعه، وهو كل ما كان مخالفاً للعدل والحق والغاية فيه إفساد صيت القريب. والثاني كل مخالفة لنواميس الصدق.
١٠ - الوصية العاشرة «لا تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لا تَشْتَهِ ٱمْرَأَةَ قَرِيبِكَ وَلا عَبْدَهُ وَلا أَمَتَهُ وَلا ثَوْرَهُ وَلا حِمَارَهُ وَلا شَيْئاً مِمَّا لِقَرِيبِكَ» (خروج ٢٠: ١٧).
بهذه العبارات يضع الله لجاماً لكل مطامعنا التي تتجاوز حدود المحبة. لأن كل ما نهت عنه الوصايا الأخرى هو الأعمال ضد قاعدة المحبة. أما هذه الوصية فتنهي عن أن يحب القلب بتلك المطامع.
وهكذا تدين هذه الوصية الحقد والشهوة والنوايا السيئة. وتدين أيضاً الميول الدنسة ونجاسة القلب بذات القوة، التي تدين بها الدعارة. إنها تنهانا عن اشتهاء ما ليس لنا، وعلى الأخص ما للقريب. ويدخل فيه الأمر الإيجابي بالقناعة والرضى بما قسمته العناية الربانية. وتتضمن الوصية النهي المطلق عن التذمر والشكوى من معاملة الله، وعن حسد الغير على حُسن أحوالهم، أو كثرة أموالهم. والحسد هو أكثر من الاشتهاء المفرط، لأنه يتضمن الأسف على تمتع الغير بما حُرمنا منه، والشعور بالبغض لمن حالهم أفضل من حالنا، واشتهاء نزع ما يتميزون به عنا.
المراجع:
إسكندر جديد، ركن الإيمان التعليم المسيحي، الطبعة الأولى، ١٩٩٤.