ولد في مدينة قيصرية فلسطين سنة ۲۹۳م، وقد صارت هذه المدينة مركزاً للعلم والمعرفة، منذ أن رحل أوريجانوس إليها، وأنشأ مدرسته الشهيرة هناك
يبدأ العصر الذهبي للأدب الآبائي ؛ بكتابات باهرة لأبي التاريخ الكنسي، يوسابيوس بامفیلیوس أسقف قيصرية فلسطين، وهو مؤرخ ومجادل في نفس الوقت، وشخصية هامة في تاريخ الأريوسية في أيامه، وواحد من آخر المدافعين، ويقدم لنا صورة عن التغيرات الجذرية ؛ التي حدثت في أيامه في تاريخ العالم بأمانة كاملة، أكثر من أي مؤرخ آخر .
ولد في مدينة قيصرية فلسطين سنة ۲۹۳م، وقد صارت هذه المدينة مركزاً للعلم والمعرفة، منذ أن رحل أوريجانوس إليها، وأنشأ مدرسته الشهيرة هناك، التي طورها بامفیلیوس کاهن كنيسة قيصرية، وقد تحمس بامفیلیوس لإصدار نص معتمد ؛ من الكتاب المقدس، ولكن على أساس نص أوريجانوس المسمى «الهكسابلا - السداسی»، ولإتمام هذه المهمة، إحتاج إلى معاونین ومساعدين، فتقدم يوسابيوس ليكون عضواً عاملاً في هذه الجماعة الدراسية، وبدأ يساعد بامفيليوس، و دَانَ يوسابيوس لمعلمه بامفیلیوس بالفضل الكثير في تعليمه وتدريبه الفكري، وتعبيراً عن شكره ومحبته لأستاذه، قرن إسمه باسمه، فدعي نفسه "يوسابيوس بامفیلیوس".
وهكذا دخل يوسابيوس في تاريخ آباء الكنيسة باسم "يوسابيوس بامفيليوس"، وما زال يوجد مخطوط قديم من نسخة الكتاب المقدس التي أعدها بامفیلیوس ويوسابيوس معاً.
ويبدو أن العام الذي انتهت فيه الاضطهادات ضد الكنيسةً سنة ۳۱۳م، هو نفس عام تجليس يوسابيوس أسقفاً لقيصرية، وقد صارت له صداقة متينة مع قسطنطين الملك، وكان ذا تأثیر عليه، وبدأت شهرته كعالم تطغى على شهرة معلمه منذ ذلك التاريخ .
وقد دخل يوسابيوس - كأسقف في الجدال الآریوسی، الذي إعتقد أنه يستطيع أن ينهيه باقتراحات بتنازلات متبادلة من كلا الطرفين، بدون أن يدرك الأهمية الحقيقية للعقيدة موضع النقاش، وكان له دوره المؤثر جداً في مجمع قيصرية المكاني، الذي أعلن أرثوذكسية فكر وعقيدة آریوس، رغم أنه طلب منه الخضوع لأسقفه، وفي مجمع نيقية سنة ۳۲۰م، أراد أن يكون واسطة مصالحة، ورفض عقيدة «الهرمو أوسيوس-مساواة الآب والإبن في الجوهر» التي لأثناسيوس، لأنه ظن أنها تؤدي إلى السابليانية، وأخيراً وقع على قانون الإيمان النيقاوی، وكان له أيضاً دوراً هاماً في مجمع صور سنة ۳۳۰، الذي حرم القديس أثناسيوس الرسولي.
وكان إعجاب ومحبة يوسابيوس للإمبراطور قسطنطين ؛ الذي أرسی السلام بين الكنيسة والإمبراطورية بعد سنوات من الاضطهادات الدموية كبيرة جداً، وتمتع يوسابيوس نفسه بمكانة خاصة لدى قسطنطين، وفي التذكارين العشرين والثلاثين لتتويج الإمبراطور وتقليده الحكم، ألقي يوسابيوس کلمتی مدیح للإمبراطور، وعندما تنيح قسطنطين في ۲۲ مایو سنة ۳۳۷، قدم يوسابيوس كلمة تأبين طويلة له، إذ يبدو أنه كان مستشاره اللاهوتي الأكبر.
الملامح اللاهوتية والروحية في فكر العلامة يوسابيوس
تكلم العلامة يوسابيوس عن التقدم إلى ما هو قدام في الحياة الروحية، فرسم منهاج للسير بلا عيب في الطريق الروحي، وعدم الرجوع إلى الوراء وعدم الميل يميناً أو يساراً، ولا النظر للوراء من أجل بلوغ الهدف، ويقول : طالما أن القلب لا يزال بعد غیر کامل ؛ فهذا هَمٌ كبير وتعب كثير، بل إنه قد يتردى إلى أسوأ مما هو عليه، أما حينما يصل إلى قمة الكمال، فحينئذ يكون قد تأسس في الفضيلة وتحرر من كل خوف، يطلب من الله أن يوضح له ولا يخفى عنه وصاياه، حتى يكملها إلى المنتهی ؛ متفهماً لها، حتى يعبر هذا العالم وهو بلا لوم .
أما عن الملامح اللاهوتية في فكره، فيؤكد يوسابيوس على حياة الطهارة، من أجل التأمل في الأمور العلوية (الالهيات)، فعدم الطهارة هو عدم التقوى وظلمة الجهل، أما نقاوة الفكر من الناحية الأخرى، فهى التقوى، والتقوى تلازمها معاينة الله .
ویری يوسابيوس أن تجسد الله اللوغوس، هو إستعلان السر الذي تدور حوله نبوات العهد القديم: «اللوغوس المتجسد هو وحده الذي أعطانا نعمة معرفة الثالوث بميلاده السري، لأنه لا موسی ولا أي من الأنبياء وهب خدمة هذه النعمة ؛ لشعب الله في العهد القديم، لأنه في ابن الله اللوغوس فقط، أعلنت نعمة الآب للكل، لأن الناموس بموسى أعطى، أما النعمة والحق فبیسوع المسيح صارا » .
ويقارن يوسابيوس بين مسحاء العهد القديم من كهنة وملوك وأنبياء، وبين السيد المسيح نفسه، موضحاً أن ما ناله رجال العهد القديم كان رمزاً، فكانوا عاجزين عن أن يقيموا من أتباعهم مسحاء، أما السيد المسيح فهو وحده الذي دعى أتباعه مسيحيين، لأنهم صاروا فيه مسحاء.
وشرح أبو التاريخ الكنسي، أن حق الثالوث قد أستعلن بتجسد اللوغوس، ومنذ ذلك الحين ظل في الكنيسة يقودها ويمنحها المواهب المتعددة، مواهب الروح والحكمة والمعرفة والإيمان والمحبة .
كتابات يوسابيوس:
فاق يوسابيوس كل الآباء اليونانيين في المعرفة والعلم، وقد كان باحثاً ومجاهداً لا يكل، واستمر یکتب حتى سن متقدم جداً، وتقدم كتاباته مجموعة ضخمة من المقتطفات، التي جمعها من الكتابات الوثنية والمسيحية، ولهذا السبب لم يندثر إنتاجه الأدبي ؛ بالرغم من إتجاهه الآريوسي، وتكشف لنا كتاباته عن سعة أفق مدهشة في التعلم، ومنها يتضح لنا أنه دارس جيد للكتاب المقدس، وللتاريخ الوثني والمسيحي، وللأدب القديم، والفلسفة، والجغرافيا، وعلم التفسير، وعلوم اللغة، وبالرغم من أنه مدافع خصب، إلا أنه لا ينتمي إلى اللاهوتيين البارزين في التراث المسيحي، فشهرته الواسعة إنما ترجع إلى أعماله التاريخية العظيمة.
الأعمال التاريخية
١- التاريخ: وقد كتب حوالي ۳۰۳م ويتكون من قسمين :
القسم الأول: وهو في الواقع مقدمة يسرد فيها أهم الأحداث التاريخية في كل أمة :
تاريخ الكلدانيين، تاريخ الآشوريين، تاريخ العبرانيين، تاريخ المصريين، تاريخ اليونایین، تاريخ الرومان.
القسم الثاني: عبارة عن جداول تاريخية مرتبة وفقا لتوافق الأحداث وتزامنها، واتخذ يوسابيوس من تاريخ میلاد إبراهيم أبو الآباء نقطة بدايته.
وقد جمع يوسابيوس أكثر من مئة رسالة لأوريجانوس، وقام بتجميع مجموعة من الكتابات الخاصة بقصص إستشهاد الشهداء الاوائل، بالإضافة إلى مجموعات ومجلدات أخرى.
التاريخ الكنسی:
هو العمل الذي أعطى ليوسابيوس شهرته الخالدة، والذي يتكون من عشرة كتب ؛ تغطي الفترة من تأسيس الكنيسة وحتى هزيمة اليسينيوس سنة ۳۲4، وإنفراد قسطنطين بالحكم، و يقدم مجموعة غنية جداً من الحقائق والوثائق التاريخية، و مقتطفات من عدد كبير من الكتابات التي تعود إلى السنوات الأولى للمسيحية.
وهكذا يتضح لنا الهدف الدفاعي للعمل كله، أنه يقدم الدليل على أن الله هو الذي أسس وأرشد، وقاد الكنيسة إلى هذا الإنتصار النهائي الأخير على قوة الدولة الوثنية .
الأعمال الدفاعية:
يلخص فيها يوسابيوس كل الجهود الأدبية السابقة، من أجل الدفاع عن الإيمان المسيحي، وهو يستعين بأفكار المدافعين اليونانيين بطريقة مدرسية، فيقدم نظرة تاريخية أشمل لكل الديانات المشهورة السابقة للمسيحية، معتبراً إياها أعدادا للمسيحية.
مقدمة تمهيدية عامة للإنجيل: هو أقدم أعماله الدفاعية، اذ كتبه قبل تجليسه أسقفا لقيصرية، ويتكون من عشرة كتب لم يصلنا منها إلا الكتب ۱،۷،۸، بجانب بعض الشذرات، وهي تحوي مجموعة من النبوات المسيانية في العهد القديم، مع تفسیر مختصر لها، وتمثل المقدمة التمهيدية العامة، دراسات أولية لعمل دفاعی أکبر يقع في جزئين : 1) الإعداد للإنجيل ۲) برهان الإنجيل
"الثيوفانيا" او "الإستعلان الإلهی": آخر أعماله الدفاعية من حيث الترتيب الزمني، وموضوعه هو: إستعلان الله في تجسد الكلمة اللوغوس، ويشرح المؤلف هذه العقيدة ويدافع عنها ضد الاعتراضات الموجهة إليها.
أسئلة ودراسات إنجيلية: يتكون من جزئين: الأول : بعنوان "أسئلة عن الإنجيل وإجاباتها مرسلة إلى اسطفانوس" الثاني : بعنوان "أسئلة عن الإنجيل وإجاباتها مرسلة إلى مارینوس".
تفسير المزامير: يبدو أن أهم أعمال يوسابيوس التفسيرية، كان "تفسير المزامير"، والذي نال شهرة كبيرة بين دارسي الآباء، بسبب معرفة يوسابيوس ودرايته الواسعة بالأبعاد النقدية في تفسيره .
الرسائل: لابد أن عدد الرسائل التي خطها أسقف قيصرية كان كبيرة، بسبب دوره الكبير في الجدالات الدائرة في أيامه، ومع ذلك لم يصلنا من رسائله إلا ثلاثة كاملة :
رسالة الإهداء إلى فلاکسیلوس، في بداية كتابه "اللاهوت الكنسي" .
رسالة إلى کاربیانوس، وهي نوع من المقدمة العمله "القوانين الإنجيلية" .
رسالة إلى شعب إيبارشيته - قيصرية - عن نتائج مجمع نيقية .
... أما عن رسائل يوسابيوس الأخرى، فلم يصلنا منها إلا شذرات .
وقد تنيح يوسابيوس بعد الإمبراطور قسطنطين بأعوام قلائل، في سنة ۳۳۹ أو سنة 340م .
المراجع:
العلامة يوسابيوس القيصري (أبو التاريخ الكنسي)، سلسلة أباء الكنيسة، ترجمة واعداد انطون فهمي جورج، الطبعة الاولي، 1992
المدخل في علم الباترولوجي "الآباء الرسوليون"، القمص تادرس يعقوب ملطي، 1991.