«فَهٰؤُلاَءِ كُلُّهُمْ، مَشْهُوداً لَهُمْ بِٱلإِيمَانِ، لَمْ يَنَالُوا ٱلْمَوْعِدَ، إِذْ سَبَقَ ٱللّٰهُ فَنَظَرَ لَنَا شَيْئاً أَفْضَلَ، لِكَيْ لاَ يُكْمَلُوا بِدُونِنَا» (رسالة العبرانيين ١١: ٣٩-٤٠)
سوف لا يبلغ مجرى الحوادث نقطته الحاسمة في يوم الدين الآتي، بافتقاد اللّه الأمم بدينونة مفاجئة، ولا بإنزاله ضربة قاضية على الشيطان وأعوانه فحسب، بل بإستعلان ابن الإنسان الرب يسوع المسيح ابن اللّه الأزلي، آتياً من السماء مع ملائكة قوته، عند ظهور مجيئه في كامل مجد اللّه أبيه، ليملك على الأرض مع جميع قدسيه الممجّدين. وما يجب ملاحظته عند هذه المرحلة هو أن هناك ثلاث كلمات مهمة في اللغة اليونانية، يستعملها الوحي عند الحديث الخاص بـ - «يوم المسيح» الآتي، هي:
«أبو كالبسيس» ومعناها «كشف الغطاء» أو «رفع الستار»، وتترجم هذه الكلمة ومشتقاتها إلى العربية «باستعلان» أو «إعلان» ومشتقاتهما.
«أبيفانيه» بمعنى «البزوغ الكامل كما لنور سماوي». ولذلك يشير الوحي إلى المسيح بأنه: «كوكب الصبح المنير» (راجع رسالة بطرس الثانية ١: ١٩ سفر الرؤيا ٢٢: ١٦)، و «شمس البر» (سفر ملاخي ٤: ٢) و «المشرق من العلاء» (راجع بشارة لوقا ١: ٧٨).
ولذلك قال المسيح أيضاً عن نفسه: «... كَمَا أَنَّ ٱلْبَرْقَ الذي يَبْرُقُ مِنْ نَاحِيَةٍ تَحْتَ السماء يُضِيءُ إِلَى نَاحِيَةٍ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، كَذٰلِكَ يَكُونُ أَيْضاً ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي يَوْمِهِ» (بشارة لوقا ١٧: ٢٤). وتترجم كلمة «إبيفانيه» هذه ومشتقاتها إلى العربية «بظهور» ومشتقاتها.
«باروسيا» ومعناها «الحضور شخصياً»، وتترجم إلى العربية «بمجيء».
(أ) إتمام سر اللّه باستعلان الرب يسوع المسيح ابن الإنسان من السماء
- كلمة الوحي -
«... ٱسْتِعْلاَنِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَ مَلاَئِكَةِ قُّوَتِهِ، ٨ فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِياً نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ وَٱلَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (رسالة تسالونيكي الثانية ١: ٧-٨).
«وَٱلْمَلاَكُ ٱلَّذِي رَأَيْتُهُ وَاقِفاً عَلَى ٱلْبَحْرِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ، رَفَعَ يَدَهُ إِلَى ٱلسَّمَاءِ، وَأَقْسَمَ بِٱلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ، ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاءَ وَمَا فِيهَا وَٱلأَرْضَ وَمَا فِيهَا وَٱلْبَحْرَ وَمَا فِيهِ، أَنْ لاَ يَكُونُ زَمَانٌ بَعْدُ، بَلْ فِي أَيَّامِ صَوْتِ ٱلْمَلاَكِ ٱلسَّابِعِ مَتَى أَزْمَعَ أَنْ يُبَّوِقَ يَتِمُّ أَيْضاً سِرُّ ٱللّٰهِ، كَمَا بَشَّرَ عَبِيدَهُ ٱلأَنْبِيَاءَ» (سفر الرؤيا ١٠: ٥-٧).
«... ٱلسِّرِّ ٱلَّذِي كَانَ مَكْتُوماً فِي ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَزَلِيَّةِ، وَلٰكِنْ ظَهَرَ ٱلآنَ، وَأُعْلِمَ بِهِ جَمِيعُ ٱلأُمَمِ بِٱلْكُتُبِ ٱلنَّبَوِيَّةِ حَسَبَ أَمْرِ ٱلإِلٰهِ ٱلأَزَلِيِّ، لإِطَاعَةِ ٱلإِيمَانِ» (رسالة رومية ١٦: ٢٥-٢٦).
«إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ ٱلَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ، لِتَدْبِيرِ مِلْءِ ٱلأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي ٱلْمَسِيحِ، مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلأَرْضِ...» (رسالة أفسس ١: ٩-١٠).
إن المعنى الأساسي الذي تتضمنه الكلمة اليونانية المترجمة «سر» في العهد الجديد هو قضية معرفتها فقط عن طريق إعلان. ويستعمل الوحي هذه الكلمة في سفر الرؤيا (١٠: ٥-٧) ورسالة رومية (١٦: ٢٥-٢٦) ورسالة أفسس (١: ٩-١٠) للدلالة على ذلك التدبير العظيم الذي عمله اللّه في ابنه الأزلي، الرب يسوع المسيح، ليجمع فيه كل شيء، ما في السماوات وما على الأرض، واضعاً الأساس لذلك بالدم الذي أهرقه المسيح على خشبة الصليب منذ نحو ألفي عام، معلناً إياه بعد ذلك في «الكتب النبوية» (أي في الإنجيل في أوسع معناه). ومن ثم كان لدينا «سر الإنجيل» و «سر المسيح» و «سر اللّه» (راجع رسالة أفسس ٦: ١٩ ورسالة كولوسي ٢: ٢ ورسالة أفسس ٣: ٤. اقرأ أيضاً رسالة كولوسي ١: ٢٥-٢٧). وسوف يتم السرّ بتحقيق التدبير في يوم الرب الآتي عن قريب عندما يجري آخر إجراء متعلق به، «باستعلان الرب يسوع المسيح من السماء مع ملائكة قوته» في كامل مجد اللّه أبيه.
وانتظاراً لذلك اليوم العظيم، يقدم لنا سفر الرؤيا الإعلان (الأبوكالسيس) الذي أعطاه اللّه ليسوع المسيح «لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ» (سفر الرؤيا ١: ١)، أي ما لا بد أن يحدث بسرعة خاطفة، عندما يحين الوقت لحدوثه. ويحتوي قسم الإعلان الذي يبتدئ بالإصحاح الرابع وينتهي بالإصحاح التاسع عشر من هذا السفر العجيب، سلسلة حوادث تلك الحقبة التي سينتهي بها الدهر. وتبدأ السلسلة بتبديل دراماتيكي يحدث في السيادة على الأرض والسماء.
فيطرح الشيطان مع ملائكته إلى الأرض (راجع سفر الرؤيا ١٢: ٧-١٢) وتتطهر الأجواء منه. وهناك في السماء (أي سماء أرضنا) يصبح سفر الرؤيا رؤيا لنا عندما نفهم أن كلمة «السموات» (أو «السماء») حيثما وردت في سفر الرؤيا من الإصحاح ٤ إلى ٢١، بدون استثناء تقريباً تشير إلى أجزاء أرضنا وليس إلى سماء أخرى غير معروفة لنا، ولا إلى «السماء عينها» حيث مخلصنا الآن مع الآب (رسالة العبرانيين ٩: ٢٤) ينصب عرش،
هو مركز السيادة العملية المباشرة للجلالة الإلهية - فمنصة القضاء لحكم الإله السرمدي الفائق الوصف ستقام في أجواء أرضنا بالذات حيث سمح للشيطان طويلاً أن يبقيها مركزاً له بصفته رئيس سلطان الهواء - ويا له من مشهد يقبض الأنفاس!!
فهناك في وسط العرش يقوم المسيح، الأسد الخارج من سبط يهوذا، حيث منظر الجلالة الإلهية كمنظر النور اللامع المشع من حجارة كريمة مع بريق الأنوار الخاطف الأنفاس، وصوت الرعود التي يرن صداها في كل الأرجاء - هناك يقوم المسيح،
ولكن.. كحمل كأنه مذبوح! - فهو الحمل الأسد. وهو وحده المستحق أن يجري تلك السلسلة من الضربات المرعبة التي بها يختم التاريخ المحزن لعالم صمم على ثورته ضد سيادة اللّه المباشرة في ابنه الأزلي - هذا العالم الخاطئ الأثيم الذي مظلمات أرضه امتلأت من مساكن الظلم والاغتصاب (مزمور ٧٤: ٢٠).
(ب) استعلان ابن الهلاك عند استعلان الرب يسوع المسيح وإتمام سر الإثم عند إتمام سر اللّه.
-كلمة الوحي -
«... سِرَّ ٱلإِثْمِ ٱلآنَ يَعْمَلُ فَقَطْ، إِلَى أَنْ يُرْفَعَ مِنَ ٱلْوَسَطِ ٱلَّذِي يَحْجِزُ ٱلآنَ، وَحِينَئِذٍ سَيُسْتَعْلَنُ ٱلأَثِيمُ، ٱلَّذِي ٱلرَّبُّ يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ، وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ مَجِيئِهِ» (رسالة تسالونيكي الثانية ٢: ٧-٨).
«... لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي (يوم المسيح)إِنْ لَمْ يَأْتِ ٱلٱرْتِدَادُ أَّوَلاً، وَيُسْتَعْلَنَ (أبو كالبسسثي) إِنْسَانُ ٱلْخَطِيَّةِ، ٱبْنُ ٱلْهَلاَكِ، ٱلْمُقَاوِمُ وَٱلْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلٰهاً أَوْ مَعْبُوداً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ ٱللّٰهِ كَإِلٰهٍ مُظْهِراً نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلٰهٌ» (رسالة تسالونيكي الثانية ٢: ٣ و٤).
ما أن يحدث التبديل الدراماتيكي في السيادة على الأرض وسمائها، عند استعلان الرب يسوع المسيح، ويرفع «الذي يحجز الآن» (أو بالحري تختطف جماعة المؤمنين المجاهدين بالروح والمنتظرين مجيء ربهم، المكنى عنهم «بالولد الذكر» في سفر الرؤيا ١٢)، حتى يستعلن الإثم، ليس في مظاهره المتنوعة فحسب، بل سيستعلن في ذاته، بكل تمرّده الشنيع على اللّه ومسيحه، متجسماً في رجل الشيطان المسمى «الأثيم» و «ابن الهلاك» و «إنسان الخطية» الذي هو «الوحش»
وكما رأينا، إن استعلان «الأثيم» ليس إلا استعلان الشيطان بذاته، واستعلان الشيطان ليس هو إلا افتضاح أمره، للقضاء عليه تحت تلك السلسلة من الضربات التي ستؤدي به إلى بحيرة النار. وبهذا سيتم سر الإثم.
(ج) استعلان أبناء اللّه على حقيقتهم بواسطة استعلان الرب يسوع المسيح من السماء
- كلمة الوحي -
«فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ ٱلّزَمَانِ ٱلْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِٱلْمَجْدِ ٱلْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا. لأَنَّ ٱنْتِظَارَ ٱلْخَلِيقَةِ يَتَوَقَّعُ ٱسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ ٱللّٰهِ» (رسالة رومية ٨: ١٨-١٩).
«وَيَكُونُونَ لِي قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي أَنَا صَانِعٌ خَاصَّةً، وَأُشْفِقُ عَلَيْهِمْ كَمَا يُشْفِقُ ٱلإِنْسَانُ عَلَى ٱبْنِهِ ٱلَّذِي يَخْدِمُهُ. فَتَعُودُونَ وَتُمَيِّزُونَ بَيْنَ ٱلصِّدِّيقِ وَٱلشِّرِّيرِ، بَيْنَ مَنْ يَعْبُدُ ٱللّٰهَ وَمَنْ لاَ يَعْبُدُهُ» (سفر ملاخي ٣: ١٧-١٨).
«وَغَضِبَتِ ٱلأُمَمُ فَأَتَى غَضَبُكَ وَزَمَانُ ٱلأَمْوَاتِ لِيُدَانُوا، وَلِتُعْطَى ٱلأُجْرَةُ لِعَبِيدِكَ ٱلأَنْبِيَاءِ وَٱلْقِدِّيسِينَ وَٱلْخَائِفِينَ ٱسْمَكَ، ٱلصِّغَارِ وَٱلْكِبَارِ، وَلِيُهْلَكَ ٱلَّذِينَ كَانُوا يُهْلِكُونَ ٱلأَرْضَ» (سفر الرؤيا ١١: ١٨).
«وَلَمَّا فَتَحَ ٱلْخَتْمَ ٱلْخَامِسَ، رَأَيْتُ تَحْتَ ٱلْمَذْبَحِ نُفُوسَ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ وَمِنْ أَجْلِ ٱلشَّهَادَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ، وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: «حَتَّى مَتَى أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ ٱلْقُدُّوسُ وَٱلْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا مِنَ ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ؟» فَأُعْطُوا كُلُّ وَاحِدٍ ثِيَاباً بِيضاً، وَقِيلَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَرِيحُوا زَمَاناً يَسِيراً أَيْضاً حَتَّى يَكْمَلَ ٱلْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُمْ، وَإِخْوَتُهُمْ أَيْضاً، ٱلْعَتِيدُونَ أَنْ يُقْتَلُوا مِثْلَهُمْ» (سفر الرؤيا ٦: ٩-١١).
«بَعْدَ هٰذَا نَظَرْتُ وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ ٱلأُمَمِ وَٱلْقَبَائِلِ وَٱلشُّعُوبِ وَٱلأَلْسِنَةِ، وَاقِفُونَ أَمَامَ ٱلْعَرْشِ وَأَمَامَ ٱلْحَمَلِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ ٱلنَّخْلِ وَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: «ٱلْخَلاَصُ لإِلٰهِنَا ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ...
«... وَسَأَلَنِي وَاحِدٌ مِنَ ٱلشُّيُوخِ: «هٰؤُلاَءِ ٱلْمُتَسَرْبِلُونَ بِٱلثِّيَابِ ٱلْبِيضِ، مَنْ هُمْ وَمِنْ أَيْنَ أَتُوا؟» فَقُلْتُ لَهُ: «يَا سَيِّدُ أَنْتَ تَعْلَمُ». فَقَالَ لِي: «هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلَّذِينَ أَتُوا مِنَ ٱلضِّيقَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوهَا فِي دَمِ ٱلْحَمَلِ. مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ هُمْ أَمَامَ عَرْشِ ٱللّٰهِ وَيَخْدِمُونَهُ نَهَاراً وَلَيْلاً فِي هَيْكَلِهِ، وَٱلْجَالِسُ عَلَى ٱلْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ. لَنْ يَجُوعُوا بَعْدُ وَلَنْ يَعْطَشُوا بَعْدُ وَلاَ تَقَعُ عَلَيْهِمِ ٱلشَّمْسُ وَلاَ شَيْءٌ مِنَ ٱلْحَرِّ، لأَنَّ ٱلْحَمَلَ ٱلَّذِي فِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ، وَيَمْسَحُ ٱللّٰهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ» (سفر الرؤيا ٧: ٩-١١ ، ١٣-١٧).
«وَرَأَيْتُ كَبَحْرٍ مِنْ زُجَاجٍ مُخْتَلِطٍ بِنَارٍ، وَٱلْغَالِبِينَ عَلَى ٱلْوَحْشِ وَصُورَتِهِ وَعَلَى سِمَتِهِ وَعَدَدِ ٱسْمِهِ وَاقِفِينَ عَلَى ٱلْبَحْرِ ٱلّزُجَاجِيِّ، مَعَهُمْ قِيثَارَاتُ ٱللّٰهِ، وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ ٱللّٰهِ وَتَرْنِيمَةَ ٱلْحَمَلِ قَائِلِينَ: «عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. عَادِلَةٌ وَحَقٌّ هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ ٱلْقِدِّيسِينَ (أو بالحري: يا ملك الدهور، أو يا ملك الأمم» (سفر الرؤيا ١٥: ٢-٣).
إن اللّه وهو «آت بأبناء كثيرين إلى المجد (راجع رسالة العبرانيين ٢: ١٠ و١٤ و١٦)، لم يعمل ضمن إطار الحياة الملائكية، بل ضمن إطار الحياة البشرية. وجعله هؤلاء الأبناء قديسين هو شغله الشاغل في هذا العالم.
ومن ثم فاستعلان الرب يسوع المسيح لا يسبب لهم رعباً، لأنه يوم تأييد وتعضيد لهم. فقد احتملوا عذاباً مريراً ردحاً طويلاً من الزمن، واضطهاداً قاسياً من عالم يسوده ضد المسيح، كثيراً ما أدى بهم إلى الموت، ولا تهمة لهم سوى أنهم خاصة يسوع، مسيح اللّه. والآن، فاليوم الآتي هو يوم الدينونة.
وتقدم لنا المقتطفات من سفر الرؤيا المدونة آنفاً سلسلة من مشاهد أثيرية رائعة لجماهير متعاقبة من المفديين الذين يأتون إلى المجد باستشهادهم في الضيقة العظيمة. ولعل أروع هذه المشاهد هو المذكور في الإصحاح السابع (٩-١٠ و١٣-١٧).
أما في الإصحاح السادس (٩-١١)، فلدينا مشهد لجماعة من جماعات شهداء الضيقة العظيمة، وهم لم يظهروا بعد بأجسادهم الممجدة المعبر عنها «بالثياب البيض». إلا أنهم ينصرفون إلى طلبات للإنصاف والنقمة، إذ يظهر أن هناك مناسبات في ترتيب اللّه لصلوات كهذه.
فقد قال الرب يسوع المسيح نفسه: «أَفَلاَ يُنْصِفُ ٱللّٰهُ مُخْتَارِيهِ، ٱلصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَاراً وَلَيْلاً، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعاً! وَلٰكِنْ مَتَى جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ ٱلإِيمَانَ عَلَى ٱلأَرْضِ» (بشارة لوقا ١٨: ٧-٨).
وهكذا نرى نفوس هؤلاء المستشهدين تحت المذبح، «مذبح الذهب الذي أمام العرش» (سفر الرؤيا ٨: ٣)، أو بالحري مذبح «الأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان» (راجع رسالة العبرانيين ٨: ٢)، الذي لم يكن المذبح الذهبي في خيمة الاجتماع الأرضية إلا رمزاً له.
أما آخر جماعة من الجماعات الآتية من الضيقة العظيمة، فلنا مشهدها في سفر الرؤيا (١٥: ٢-٤)، وواضح أنها تأتي من الإثنين والأربعين شهراً الأخيرة من الضيقة العظيمة، التي فيها يسود طغيان «الوحش» في كل عنفوانه.
ويتضح مما ورد في سفر الرؤيا (١١: ١٨) أن أبناء اللّه المؤمنين بالرب يسوع المسيح في كل العصور، من أيام آدم فصاعداً (عبيد الرب الإله - «الأنبياء والقديسين والخائفين اسمه، الصغار والكبار»)، سينتظرون إلى أن يقام كرسي المسيح في نهاية الضيقة العظيمة، لأخذ مكافأتهم.
«فَهٰؤُلاَءِ كُلُّهُمْ، مَشْهُوداً لَهُمْ بِٱلإِيمَانِ، لَمْ يَنَالُوا ٱلْمَوْعِدَ، إِذْ سَبَقَ ٱللّٰهُ فَنَظَرَ لَنَا شَيْئاً أَفْضَلَ، لِكَيْ لاَ يُكْمَلُوا بِدُونِنَا» (رسالة العبرانيين ١١: ٣٩-٤٠).
المرجع:
ك. هـ. ستيفنسن، يوم الدين وما يأتيك به، الطبعة الأولى، 1982.